التثقيف الذاتي المستدام للإكليروس

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم

إنّ رسالة  الكاهن  وكم بالاحرى الاسقف،  لاهميتها الانسانية والروحية،  تلزمه على الاستمرار في  تثقيف الذات، لأن الثقافة  ضرورية  لرسالته الانسانية والروحية. لا يمكن ان يكتفي الكاهن بما تلقاه ايام الدراسة كأنه صالح لكل زمان ومكان. التثقيف  الشخصي  المتواصل  علامة  النضج والمسؤولية. الثقافة ركيزة  لمد الجسور بين الماضي والحاضر، والعالم العام مع عالمنا الخاص… عليه ان يستمر في تثقيف ذاته فلسفيا ولاهوتيا ومسكونيا  وليتورجيا وكتابيا واجتماعيا وعلى اساليب التربية وعلم النفس والادراة،ويطلع على الاقتصاد والسياسة حتى لا يكون خارج زمانه.كنت قد اقترحت قبل ثلاث سنوات في الجمعية العامة لمجمع الاساقفة بروما الا يرسم المرشحون قبل التأكد من صحتهم النفسية.

 عالمنا تغير. وفي زمن التواصل الاجتماعي الذي  لا حدود له، يحتاج الكاهن الى الفكر النقدي ليفهم ما جرى في الماضي، ويبحث عن تعبير مناسب  لإيصال المعنى الحقيقي  الى المتلقي الحاضر. بمعنى آخر   عليه  ان يبحث عن  الكلام المناسب اليوم ليفضي الى الجواب المناسب عند المتلقى.   ابن الضيعة  يختلف عن  ابن المدينة،   والإنسان البسيط عن الاستاذ الجماعي، والمسيحي العراقي عن المسيحي العائش في  بلدان الانتشار. عليه ان يتعلم لغة البلدن  ويندمج في ثقافته  وفي المجتمع  الخ.

ربط الحاضر بالماضي،   يجب ان يفهم الكاهن بشكل معمّق  ما جرى  في الماضي  ولماذا، ويبحث عن تعبير  مقبول ومفهوم لايصال المعنى الى المتلقي الحاضر، و يمنحه  فرصة العودة إلى النص الاصيل او الجذور الصحيحة.

لكل  زمن فكره ولغته وتعبيره ( ثقافته). قراءة الماضي بعقلية نقدية منفتحة  هي  لتعلم العبر  لمستقبل أفضل.  يفقد الكاهن هويته ان تعصب  أو تحزب  لفكر ما  و لطقس ما وعادة ما  وكأنها ثابتة ابداً.   ارى   بين حين وآخر  بعض أفراد  اكليروسنا يرتدون   الشاش (  العمامة)، اسأل هل يعرفون  لماذا  استعمل ومتى استعمل وكيف كانت في البداية، أم مجرد  حنين الى الماضي. اذكرهم بالمثل الفلانسي: الثوب لا يصنع الراهبl’habit ne fait pas le moine. قبل ايام نشر على موقع البطريركية مقال علمي مترجم  لمتخصص فرنسي  عن  سفر يونان وحقيقته ورسالته.  الهدف من نشره هو تثقيف الاكليروس والمؤمنين عن حقيقة   صوم باعوثا نينوى، لا اعلم كم كاهنا قرأه !

  الثقافة طاقة فكرية حياتية  يتطلبها المجتمع.   تفتح  أمامنا آفاقاً جديدة ، وتُنقذنا من الجهل الذي هو أحد أسباب  التعصب والجمود والرتابة… الثقافة الرصينة  رسالة أمل  ونور امام بقعة الظلام  التي تزداد في عالمنا. 

لا إصلاح حقيقي من دون تنشئة رجال الاكليروس، تنشئة كهنوتية شاملة، بثقافة دينية راسخة، وعامة سليمة، تمكّنهم من القيام برسالتهم الراعوية على أحسن وجه، لاسيما في هذه الأوقات الصعبة والحرجة.

كان  يفرض سابقا في  بعض المدارس والجامعات على المدرس حتى يترقى  ان يقدم  دلائل  على انه  حضر ندوات واستمع  الى محاضرات وطالع كتبا أو مقالات دراسية  و قدم علمية..  لربما نحتاج في الكنيسة  الى نظام مشابه!! من هذا المنطلق تنظم البطريركية سنويا رياضة روحية لكهنة العراق وموضوعا ثقافيا للمواصلة تنشئتهم الفكرية. اني شخصيا أقرأ يوميا بين ساعة أو اثنتين، ويوم لم اتمكن من القراءة اشعر اني ضيعت جزؤً مني!

هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد.

Previous
Previous

لقاء السامرية مع يسوع فرصة لاستقبال نعم اللّه

Next
Next

الكنائسُ الشرقيّة بحاجةٍ الى نسمةٍ من الهواءِ النقيّ