كيف نجعل ليتورجيا عيد ميلاد المسيح مثمرة؟

هذا المقال متوفّر أيضًا باللّغة الإنكليزيّة.

غبطة بطريرك بابل للكلدان الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

أنشر هذه الأفكار بمناسبة اللقاء الروحي والثقافي لأساقفتنا وكهنتنا في العراق من 6-8/كانون الأول/ ديسمبر 2021، استعدادًا للاحتفال بعيد ميلاد المسيح المجيد، راغبًا مساعدتهم على التفكير والاعداد لإغناء النقاش ضمن المجاميع، كما اتمنى ان تساعد كهنتنا في الخارج ايضًا على إعداد الاحتفال.

ليتورجيا عيد الميلاد غنيّة برموزها ومعانيها، يجب الإعداد لها بجدية، لكي تغير قلب المؤمنين المشاركين فيها فيغدو "مغارة يولد فيها يسوع" "لاسيما ان إيماننا هو إيمان الأبناء، والهنا هو إله الأبناء.

 ايُّها الرب يسوع، نجمنا، أنرنا

كلُّ شيءٍ في الحياة يتطلب التحضير.  والإعداد هو من  اجل ابراز اهمية المناسبة  التي  نحتفل بها،  خصوصا  اذا  كانت ولادة  يسوع المسيح. لذا موضوع تأملنا في هذا اللقاء الخاص هو: كيف نجعل ليتورجيا الاحتفال بعيد الميلاد مثمرةً؟

 عيد ميلاد يسوع المسيح ابن اللّه، عيدٌ “سيِّديٌّ – ܥܐܕܐ ܡܪܢܝܐ” عظيم، يحتل فيه (المسيح) المكانة الاولى. ثمة علاقة اسرارية sacramental بين الليتورجيا (طقوس الصلاة) وسرّ المسيح، فالصلوات والأشياء كلُها مليئة بالأسرار كما يذكر اوريجانوس (الموعظة في الأحبار 3/ 8).  اللاهوت المسيحي يشير الى أن الكون مخلوق على صورة المسيح Christ form: “بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان” (يوحنا 1/ 3). أي ثمة نظرة أسرارية للكون، إذ لا يوجد شيء معزول عن الكل.

السؤال المطروح علينا كرعاة هو: كيف نجعل ليتورجيتنا حية ومثمرة بلاهوتها وروحانيتها واساليبها الادبية وتقاليدها الاصيلة؟ وكيف نقدر ان نساعد  المؤمنين لكي يتشبّعوا من معاني ليتورجيا الميلاد فيولدوا لحياة جديدة؟

سؤالي هذا يهدف الى تنشيط الرعايا حتى تبقى معاني الصلاة الطقسية حيّة، تُساعد المؤمنين على المشاركة في الحدث بفكرهم وقلبهم، ليختبروا نعمة اللّه وخلاصه. فالرجاء والفرح اللذان يَجلبهما عيدُ الميلاد يجعلانهم ينتظرون قدوم المواسم الليتورجية الأخرى، خصوصاً موسم الفصح – القيامة.

الليتورجيا عملٌ الهي وخبرة روحية فريدة من خلال الصلوات، وقراءات الكتاب المقدس، وترتيل المزامير، والنصوص الشعرية الطقسية، والأشكال المادية، والرموز والحركات، مما يُقوّي الوعي عند المشاركين بحضور الرب بينهم ولو بمستوى آخر. كما أن الليتورجيا تُساعدهم على النضج الإنساني والروحي في مسيرتهم التصاعدية نحو الحياة الإلهية (الأبدية).

ليتورجيا الإيمان والتجديد

على الكنيسة ان تبحث عن طرق جديدة للإبداع الليتورجي، طرقٍ تفتح آفاقاً جديدة أمام الكنيسة والمؤمنين، وتجعل الليتورجيا ديناميكية ومثمرة، وليست طقوساً جامدة. هذا السعي هو علامة الكنيسة الحيّة، التي تعيش أمانتها للمسيح وللانسان في جميع الجوانب، كونها مسؤولة عن الأشخاص الذين هم جزء منها، ومن واجبها ان تفكر في وضعهم الحالي، وتبدع في خلق توجيهات رعويّة لإضاءة المؤمنين وتحفيزهم ليكون إحتفالهم حيّاً، وصلاتهم مثمرة. هذا ما أكده البابا فرنسيس في المقابلة العامة يوم الاربعاء 10 تشرين الثاني 2021 عندما قال: “نحن المسيحيين لسنا أناساً يَعودون الى الوراء”.

هل كنائسنا تشعر حقاً بهذا الواجب الرعائي المُلِح، لكي تعمل في هذا الإتجاه، لاسيما ان معظم نصوص ليتورجياتنا يعود الى القرن السادس والسابع، وان بعضها لا يناسب ابداً حاضرنا (الاطالة والاطار والاجتماعي  والفكر واللغة)؟ يتحتم على الكنيسة التي هي “الأم والمعلمة” أن تسأل نفسها: كيف تحافظ بعناية  على هذا الارث الاصيل، وتحييه وتترجمه إلى الثقافة الحالية عِبر أساليب جديدة ولغة معاصِرة مفهومة. عليها ان تحرص على التواصل مع الجذور، أي مع مؤمني القرون الماضية، لأن الكنيسة واحدة متواصلة عبر الزمن، كنيسة تجمع الماضي والحاضر والمستقبل. هذه رسالتها وغناها وجمالها.

خطوط التأوين

يجب ان يجدد كلُّ عصرٍ ليتورجيته وبحسب المعايير الكنسية الرسمية. وهذا يتطلب أمرين:

  1. انفتاح الكنيسة على الثقافة الحالية، وظروف الناس، ومعطيات الحداثة، والعالم الرقمي social media

  2. وجود حسّ نبوي، لاهوتي ورعائي أشد رَهافة عند الاساقفة، رؤساء الأبرشيات وأيضاً الكهنة.

الترجمة وحدها لا تكفي، ينبغي العودة اليها باستمرار لان اللغات تتطور، والظروف تتغير! اذكر على سبيل المثال ترتيلة السلام في القداس الكلداني  الحالي تقول: “ܩܝܡ ܟܗܢܐ ܘܫܝܢ ܡܠܟܐ” قوِّم الكهنة وسالم الملوك”، في حين أن النظم السياسية في العالم تغيَّرت، والدول يقودها اليوم رؤساء الجمهورية والوزارة، والملوك قليلون.

 إعداد الاحتفال

 الاعداد الروحي:

  1. أحد امور الاعداد للعيد هو الصيام ليوم واحد أو أكثر!!!

  2. تنظيم رياضة روحية تسبق العيد تهيئة له ( للشباب، للعائلات… )

  3. رتب توبة جماعية مهيئة جيداً مع الاعترافات الفردية…

 إعداد الليتورجيا:

ينبغي إعداد الاحتفال من كلٍّ جوانبه إعداداً دقيقاً منعاً للحركة أثناءه لأنها تربك المصلين.

 زينة الكنيسة: الشموع على المذبح بينما يفضَّل وضع الورد الطبيعي وليس الاصطناعي (تحت المذبح)، والصليب المشرقي (من دون المصلوب) وتنسيق الايقونات. من المحبّذ وضع مغارة الميلاد وشجرتها (انها شجرة الحياة بحسب التقليد النهريني)، في المذبح الجانبي وليس وسط الهيكل الملوكي.

لا ننسى  ان نشارك الأطفال في الاحتفال، فعيد الميلاد محبب لديهم، لأنهم يتلقون هدايا من بابا نوئيل ومن والديهم، وكأنهم أطفال بيت لحم!

 الشعلة: من المفضل ان يُحتَفَل بها في نهاية الرمش أو قبل القداس، بسبب حضور المسؤولين للاحتفال.

حلَّة الاحتفال بالقداس: اللون الأبيض للمحتفل ولهرار الشمامسة.

قراءات الكتاب المقدس: هذه النصوص تعليم إلهي بمضمونها وجمالها، اي انها بمثابة إعلان، ممَّا يستدعي ان يخلق قارئ النص (الشماس أو الشماسة) تفاعلاً بين النص والمشاركين، وكأنه شريك في الاعلان، وليس قراءة جامدة ومتسرعة. ينبغي ان يشعر المشارك بان كلمة اللّه هذه موجَّهة اليه شخصياً ، ولطريقة لفظ الكلمات تاثير بالغ على المشارك!

الانجيل: يرفع الكاهن الانجيل باحترام ويُبارك به الحضور ثم يرتِّله باعتناء، فالترتيل يساعد على الانتباه.

الموعظة: معَدّة جيداً وربطها بحياة المؤمنين والا تكون طويلة ومملة (10 دقيقة).

المزامير: المزامير صلوات تناجي اللّه، تُرتَّل: انها تضرُّع وتسبيح وشكر على فرح نيل المغفرة والبركة. من هنا عبارة “هللويا” كلُّ نسمةٍ، فلتسبح الرب” (مزمور 150/ 6).

التراتيل الشعريةܥܘܢܝ̈ܬܵܐ–ܬܸܫܒܚ̈ܬܵܐ: نصوص شعرية بليغة، غنيّة وخلّابة في صورها ومفرداتها ولحنها الخاص. تتضمن هذه التراتيل آيات الشكر على نِعم اللّه وخلاصه، وتطلب النعمة والمغفرة والرحمة والسلام وبلوغ الحياة الابدية.

تلاوة الصلوات: أو ترتيلها بعناية وصوت مسموع ووجه مصلٍّ، وكذلك أداء الحركات بشكل صحيح وباحترام، لاسيما إشارة الصليب، ورفع التَقادُم، وإعطاء القربان والبركة ..الخ

التراتيل: قصيرة ومنسجمة مع سير الاحتفال، على الجوقة ان تتبع صلاة الكاهن، من دون إطالة الترتيلة.

هنا اُشير أثناء الإعداد الى أهمية الأخذ بنظر الاعتبار المشاهدين غير المسيحيين الذين يتابعون الاحتفال خلال شاشة التلفزيون، ومساعدتهم على فهم المراسيم وإيصال معانيها  العميقة.

إقتراحات عملية لطقوس عيد الميلاد

 يقدم عيد الميلاد رسالة لاهوتية أساسية عن إيماننا. بإمكان الاُسقف والكاهن ان يستفيد من عناصر الاحتفال وأشخاصه:

·الملائكة الذين ينشدون بفرح “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ”

· الرعاة الذين تتملكهم الدهشة ويقومون بالزيارة و يقدمون الهدايا بفرح.

· فرح مريم ويوسف

· المجوس وهم وثنيون تتقدمهم النجمة الى حيث يسوع، يقدمون له بفرح هدايا ذهباً وبخوراً ومرّاً (متى 2/ 11)، انهم أول الساجدين. عندما نرى النجم نرى اللّه ونسجد له (متى 2/ 2) …

هذا المقال نُشر على موقع بطريركيّة بابل للكلدان، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

أمّ اللّه وأمّ العالم: مريم بحسب قداسة البابا فرنسيس

Next
Next

تعليم غبطة البطريرك ساكو 12 – العائلة المسيحية والتحديات الحالية