لمناسبة اليوم الدولي للأسرة

الأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. جرجس صالح:

 الإلتزام بالمبادئ المسيحيّة والقيم الإنسانيّة يسهم في تكوين عائلات مسيحيّة قدوة في المجتمع

2018_12_14_19_43_49_912.png

كتب ايليا نصراللّه

يواجه الشرق الأوسط اليوم موجة خانقة من الأزمات والخلافات الّتي تتفاقم يوميًّا حيث فرضت تغيّرات إجتماعيّة عدّة وعلى مختلف الصّعد، في ظلّ عصر بات ملطّخًا بالحقد والعنف والكراهيّة والظّلم... هذا العصر الّذي وضع العائلة أمام مصير مجهول يرغمها على مواجهة تحدّيات عدّة تهدّد الروابط العائليّة وتؤثّر سلبًا على التربية المنزليّة والمحافظة على القيم الإنسانيّة. لذا أتى اليوم الدولي للأسرة هذه السنة، والّذي يصادف في 15 أيّار/ مايو من كلّ سنة، حاملًا همومًا جمّة تثقل كاهل العائلة الّتي تُعتبر العنصر الأساس في بناء المجتمعات وتطويرها.

أمّا الكنيسة فتبذل جهودها من أجل مرافقة العائلات ومواكبتها في التأقلم مع الظّروف الرّاهنة والعبور نحو برّ الأمان. لذا تسعى إلى متابعتها روحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وماديًّا...، منذ مرحلة ما قبل الزواج ومرورًا بالتنشئة وتربية الأولاد... فهدفها يتجسّد في تعزيز التواصل بين الأفراد وترسيخ إيمانهم من خلال زرع قيم المحبّة والتعاضد والإحترام وقبول الآخر... بغية الوصول إلى مجتمع متقدّم مفعم بالإستقرار والطمأنينة. علمًا أنّ قداسة البابا فرنسيس قد أطلق "سنة العائلة" الّتي بدأت في 19 آذار/ مارس 2021.

على سبيل المثال تقوم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة في مصر بدعم العائلات ومساندتها في اجتياز العقبات بأمل ورجاء كبيرين، فهل من برامج خاصّة تقوم بها؟ وكيف تعمل في إطار التنشئة المسيحيّة؟  أسئلة بحثنا عن إجابات عليها مع الأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور جرجس صالح* في مقابلة خاصّة مع دائرة التواصل والعلاقات العامّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث عرض أيضًا أهميّة التنشئة السليمة والقيم الإنسانيّة وسط المصاعب الّتي تمرّ بها العائلة المسيحيّة اليوم.

 

العائلة هي الخليّة الأولى في المجتمع

العائلة-المسيحية-والكنيسة (1).jpg

بدايةً أعرب د. جرجس صالح عن سعادته بالإحتفال بيوم العائلة عالميًّا، مشيرًا إلى أنّ "الله خلق منذ البدء آدم وحوّاء، لتكون بالتّالي الأسرة النواة الأولى للمجتمع، فالإهتمام بها يسهم بتكوين مجتمع كامل وناهض". من هنا لفت إلى أنّ ثقافة التخويف والعنف وخطاب الكراهيّة والتحدّيات الّتي تواجهها العائلة المسيحيّة اليوم تؤثّر سلبًا على حياة الشّباب، لذا رأى أنّ "دور العائلة المسيحيّة يكمن في المحافظة على التنشئة من خلال تربية صالحة مبنيّة على أسس ومبادئ مسيحيّة صحيحة؛ فالمسيحيّة لا تعرف الحقد والكراهيّة".

بالتّالي شدّد د. صالح على ضرورة الإلتزام بتعاليم السيّد المسيح في التنشئة العائليّة، مستشهدًا بما أوصى به لتلاميذه: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (متّى 44:5)، وبما دعا إليه القدّيس بولس الرّسول "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ" (1 كورنثوس 11: 1). إذًا، علينا، بحسب ما قال، أن نسلك الطريق الّذي يتوافق مع الكتاب المقدّس، وزرع خطاب الحبّ والسّلام والإنفتاح على الآخر...وأن "نسعى لتكون التنشئة سليمة مبنيّة على القيم الإنسانيّة لأنّها تنعكس على المجتمع ككلّ".

يتابع د. جرجس صالح حديثه مشيرًا إلى أنّه "ينبغي على الأسرة الإهتمام بالتنشئة من أجل تكوين مواطنين صالحين في الوطن متّبعين تعاليم الكنيسة"، فالتربية الّتي ترتكز على مبادئ السّلام وقبول الآخر... تسهم، على حدّ تعبيره، في بناء مجتمع قويّ ومتماسك. وأضاف "نسعى في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة من خلال مناهج مدارس التربية المسيحيّة، مدارس الأحد، على التنشئة الّتي تنمّي القيم الإنسانيّة لدى الشّباب، وذلك منذ عمر صغير، فالسيّد المسيح أوصى بأن نحبّ بعضنا بعضًا. لذا الكلّ معني في المحبّة، فمن الضروريّ إذًا مساعدة الأطفال في تعزيز قدراتهم كي يشعروا بأنّهم قدوة في المجتمع وجزءًا منه، وبالتّالي يرى النّاس أعمالهم الحسنة فيمجّدوا أباهم الّذي في السّموات".

من هنا تكمن، بحسب د. صالح، محبّة الوطن وإدراك الإنسان لحقوقه وواجباته، "فبرامج التنشئة الروحيّة تقوم بتهيئته كي يكون مواطنًا صالحًا ومخلصًا في المجتمع". لذلك أشار إلى أنّ التنشئة الروحيّة والإنسانيّة تترافق مع التنشئة الوطنيّة والثقافيّة لأنّ الإنسان كائن متكامل، مستشهدًا بقول لمثلّث الرّحمات قداسة البابا شنودة "مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه"، فمحبّة الله عليها أن تتجسّد أيضًا في محبّة الوطن، وعلى الإنسان أن يسعى في سلوكيّاته وعلاقاته لبناء مجتمع صالح والعمل من أجل تطويره.

 

الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة والتنشئة المسيحيّة

123564456789798.png

بالعودة إلى مهام الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة كشف د. جرجس صالح أنّها تقوم بمواكبة العائلة والمساهمة في التنشئة عبر مدارس الأحد والتربية الكنسيّة، وبرامج خاصّة للعائلة وللتربية الأسريّة... إضافةً إلى أنّها تضمّ معهدًا للرّعاية الأسريّة في قسم الإرشاد الأسري الّذي يقدّم في مناهجه موادّ ومحاضرات عدّة تتمحور حول خدمة الشّباب، الإرشاد التربوي، سيْكولوجيّة كبار السنّ، الخدمة الإجتماعيّة الأسريّة، العائلة المسيحيّة، المفاهيم الأسريّة الأساسيّة، الإعداد للزواج، الزواج المسيحيّ ومهارات الإتّصال الزوجي، وسيْكولوجيّة الطفل والمراهق. لذا أصبح من الضروريّ، بحسب د. صالح، المشاركة في دورة كاملة بمعهد المشورة الأسريّة هذا، من أجل الحصول على تصريح الزواج، وبناء أسرة ناجحة بعيدًا عن الخلاقات والمشاكل.

أضاف د. جرجس صالح أنّ الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة تقوم أيضًا بتنظيم إجتماعات للمخطوبين والمقبلين على الزواج، وتعقد مؤتمرات خاصّة بالأسرة... "فالإلتزام بالمبادئ المسيحيّة والقيم الإنسانيّة يسهم في تكوين عائلات مسيحيّة متماسكة تكون قدوة في المجتمع".  كما تطرّق إلى بيت العائلة المصريّة الّذي يجمع شركاء الوطن المسيحيّين والمسلمين، وقيادات من الديانتين، حيث أشار إلى أنّه "يضمّ لجنة تعمل مع الشّباب من الطرفين لتطوير المساحة المشتركة الّتي تجمعهم، والتخلّص من المشاكل الّتي تحيط بهم، من خلال الإنفتاح على الآخر". إضافةً إلى لقاءات الشّباب من كليّات اللّاهوت الأرثوذكسيّة والأنغليكانيّة والكاثوليكيّة مع طلّاب كليّة الشّريعة في جامعة الأزهر. علمًا أنّ المجمع المقدّس يضمّ أيضًا لجنة خاصّة للأسرة تتابع كلّ برامج العائلات وتعقد إجتماعات لتطوير آلية العمل.

 

في نهاية حديثه، أشاد الأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. جرجس صالح بدور المجلس في مرافقة الإنسان، الحفاظ على كرامته، ومواكبة العائلات في ظلّ الظّروف العسيرة الّتي يمرّ بها الشرق الأوسط؛ وذلك من خلال برامج وأنشطة يحرص على تنفيذها منذ تأسيسه عام 1974، حيث نوّه أيضًا بمهام دائرة التواصل والعلاقات العامة في الإضاءة على رسالة المجلس والقضايا الإنسانيّة الملحّة.

 

*الأمين العام الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. جرجس صالح

-منسّق العلاقات بين الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وكنائس الشرق الأوسط

-سكرتير اللّجنة الدائمة لاجتماع أصحاب القداسة البطاركة الأرثوذكس الشرقيّين

-أستاذ العهد القديم في الكليّة الإكليريكيّة، معهد الدراسات القبطيّة ومعهد الرعاية

-نائب رئيس قسم اللّاهوت في معهد الدراسات القبطيّة

دائرة التواصل والعلاقات العامة

Previous
Previous

صفحة فيسبوك خاصّة بـ"صندوق ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والإجتماعيّة المتضرّرة جرّاء الأزمة في سوريّة" تبصر النّور

Next
Next

حملات التطعيم مستمرّة في الشرق الأوسط، فهل من نتائج ملموسة؟