اليوم العالميّ للعمل الإنسانيّ

هذه الكلمة متوفّرة أيضًا باللّغتين الإنكليزيّة والإسبانيّة.

Dr. Michel Abs, MECC Secretary General .jpg

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

يصادف تاريخ التاسع عشر من آب/ أغسطس اليوم العالمي للعمل الإنساني بحسب رزنامة الأمم المتحدة التي اختارت التغيّير المناخي كموضوع رئيس لسنة 2021.

قبل التوسّع في مسألة التحوّلات المناخيّة والبيئيّة وتأثيرها على حياة ومستقبل الإنسانيّة، لا بدّ لنا من التوقُّف أمام بعض المعطيات الإحصائيّة ذات الدلالة والتي اُدرجت في موقع الأمم المتحدة المخصّص لهذه المناسبة.   

لقد شهد عام 2020 هجومًا على 475 عامل إغاثة، منهم 108 قتيل و242 جريح و125 مخطوف. وكلّنا يعرف ما يعانيه العاملون في مجال الإغاثة من شكوك وريبة ورفض واضطهاد وصولًا الى الأذى الجسدي بكافّة أشكاله. وتدلّ الإحصاءات أنّ أعمال العنف هذه قد تضاعفت خلال سنة 2021.

في هذا العالم المشبع بالإضطرابات، جنود مجهولون يقومون بما لا يجروء الآخرون على القيام به، مثل العاملين في مجال الإغاثة والصحفيين وأعضاء الجسم الطبي والمقرِّبين بين الجماعات المقتتلة والجنود المحافظون على السلام عند خطوط الإشتباك وغيرهم من الوظائف التي يقوم بها ذوي الرسالات المفعمين بالإيثار، ذوي النزعات الإنسانيّة.

هؤلاء يستحقون أن يكون لهم يوم تكريميّ تسطّر فيه مآثرهم وتُكرَّم فيه جرأتهم ويُثنى فيه على إقدامهم.

من جهة أخرى، يفيد الموقع نفسه أن في العالم 235 مليون شخص ممن هم في حاجة ماسّة للمساعدات الإنسانيّة والحماية سنة 2021. أمّا بالنسبة إلى المعدّلات فقد وصل معدّل الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانيّة إلى شخص واحد من أصل كلّ 33 شخص حول العالم، مقابل واحد إلى كلّ 45 شخص وهو المعدل عند إنطلاقة الموقع عن العمل الإنسانيّ العالمي لعام 2020، وهي النسبة الأعلى منذ عقود. أمّا المجموع المستهدف من قبل الأمم المتحدة والمنظّمات الشريكة فقد وصل إلى 160 مليون شخص موزّعين على 56 دولة، وهُم يُعدّون في أمسّ الحاجة للمساعدة، مما سيكلِّف الهيئات المعنيّة حوالي 35 مليار دولار أميركي.

أمّا الموضوع الرئيس للحملة في السنة الحالية فيتمحور، كما ورد في بداية المقال، حول التغيّر المناخيّ في محاولة للجْم التدهور الذي يشهده كوكبنا المتعب والمستهلَك، رحمة بالأجيال التي لم تولد بعد. ماذا ينفع أن نترك للأجيال القادمة كلّ أشكال التقدّم التكنولوجي وأساليب الرفاهيّة، وفي نفس الوقت بيئة موبوءة لا تصلح للحياة البشريّة.  

وقد أورد الموقع المُشار إليه إلى أنّ حال الطوارئ المناخيّة تتسبّب في فوضى معمّمة تجعل التصدّي لها أمرًا شديد الصعوبة بالنسبة إلى متصدرّي حملات التصدّي لتغيُر المناخ. أمّا إذا استمر الوضع على هذه الحال فقد يصل المجتمع الإنسانيّ إلى مرحلة يصبح فيها عاجزًا عن منع الضرر المناخي.

أمّا المشكلة الأساس والتي تنُّم عن ظلم يُمارس بحق الإنسان، فتكمن في أنّ أكثر الناس تضرّرًا من حال الطوارئ المناخيّة تلك، هُم أقلّ الناس تسببًا فيها أو إستفادة منها. لقد تضرّرت مساكنهم وسبل تحصيلهم للرزق بشكل مقلق.

على ضوء ذلك، فإنّ الحملات المناخيّة تتركّز على العمل من أجل لجم أو إبطاء تغيّر المناخ، حفاظاً على مستقبل الكوكب. لذلك يسلّط اليوم العالميّ للعمل الإنسانيّ لسنة 2021 الضوء على تبِعات حال الطوارئ المناخيّة على المستضعفين في العالم من أجل التعريف بهم وبما يعانونه من أزمات وما هي إحتياجاتهم. كل ذلك سوف يكون موضع مناقشة وبلورة  في مؤتمر الأمم المتحدّة لتغيّر المناخ في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

من جهتها، تحاول الكنيسة، منفردة أو عبر مجلس كنائس الشرق الأوسط، الإضطلاع بالمهمّة الشاقة التي يدعوها إليها ربُّ الخليقة في الحفاظ على البيت الذي أعدّه لنا يوم أوجدنا في هذا العالم.

يُطلق المجلس في بداية شهر أيلول/ سبتمبر  "موسم الخليقة" وهو نشاط توعويّ وتأمليّ، مبني على نصوص طبعت في كتيّب، عمل عليه فريق من الإختصاصيّين العاملين في الحقل الكنسيّ، إجتمعوا في لجنة سميّت لجنة العدالة البيئيّة Ecojustice.  يهدف هذا العمل إلى تحسيس المؤمنين بأهميّة الحفاظ على بيت الربّ كإطار مستقبليّ للبشريّة جمعاء. سيستمر هذا النشاط، الذي ستشترك به الكنائس، حتى الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث يتحوّل بعد ذلك إلى عمل مستدام ومتواصل على مدار السنة.

إنّ الكنيسة مدعوّة، مباشرة كما عبر المجلس، أن تكون رأس حربة في الحفاظ على البيئة وكبح جماح الجشع الذي يؤدّي إلى التغيّرات المناخيّة، كونها تحمل قيم العدالة والكرامة الإنسانيّة، إذ أنّه من المتوقّع أن تؤدّي التحوّلات المناخيّة إلى تهجير الملايين من الفقراء وتركهم دون مأوى ولا مورد رزق، الأمر الذي سيجعلهم في حال تبعيّة وإذلال.

إنّ الكنيسة مدعوّة إلى أن تتحوّل إلى ورشة زراعيّة بيئيّة، تعيد للطبيعة رونقها، وللعمل الزراعي قيمته وللحياة الريفيّة ألقَها.

هكذا صمدت الكنيسة لأزمنة سحيقة وهكذا كانت ملاذًا للإنسانيّة التي إئتمنها عليها الربّ.

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي - اليوم العالميّ للعمل الإنسانيّ، 19 آب/ أغسطس