ترميم المنشآت الكنسيّة والاجتماعيّة... بطاقة دعوة للعودة إلى الوطن

جولة ميدانية تفقديّة لوفد من مجلس كنائس الشرق الأوسط وهيئة "الكنيسة بالعمل" في هولندا

تقرير لمى حلاوي – مكتب دمشق

تصوير بولا أنطون

أحدَ عشرَ عامًا مرَّ على اندلاع فتيل الحرب في سورية. هذه الحرب القاسية، التي تسبّبت في إزهاق أرواح مئات الآلاف من السوريين، لم تنل من البشر فقط بل طحنت الحجر وألحقت أضرارًا هائلة بالبنى التحتية واستنزفت الإقتصاد، ناهيك عن دمار كبير لم يميّز بين منزلٍ أو منشآت دينية أو تعليميّة أو طبيّة.

ولو كان للحجارة في سورية أن تنطق لتحدثت عن تاريخ وحضارة تعود لآلاف السنين، ولتحدثت عن المسيحية التي انتشرت إلى العالم من هذه البلاد.

في وسط هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، كان التحدّي الأول للكنيسة أن تضيء النور وسط الظلام وأن تزرع الرجاء وسط اليأس.

مجلس كنائس الشرق الأوسط وبالتعاون مع هيئة "الكنيسة بالعمل" في هولندا، أطلق "صندوق ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والاجتماعية المتضرّرة جراء الأزمة في سورية" في العام 2020، بهدف مساندة الكنيسة في الحفاظ على أبنائها في بلدٍ أنهكته الحرب الطويلة، وللعمل على ترميم وإعادة بناء الحجر لينهض معه الإنسان من بين الركام.

منذ إنطلاق هذا البرنامج، تمّ ترميم العديد من المنشآت الكنسية والتعليمية التابعة لمختلف الطوائف المسيحية، حتى بلغ عامه الثالث، وقد حظيّ طيلة هذه الأعوام بمتابعة حثيثة من قبل المجلس وهيئة "الكنيسة بالعمل"، من خلال زيارات تفقديّة دورية، كان آخرها زيارتهم الحالية إلى هذه المواقع في محافظات: دمشق وريفها وحمص وحلب ومدينة كسب.

 

إعادة الحياة إلى الحجر الميت

للغاية نفسها، زار وفد من منظّمة "الكنيسة بالعمل" ووفد من دائرة الخدمة والإغاثة – دياكونيا، في مجلس كنائس الشرق الأوسط المشاريع التي تمّ تنفيذها ضمن البرنامج الهادف إلى تحويل الحجر الميت إلى حجر ينبض بالحياة.

كانت البداية من "بيت العناية" وهو عبارة عن منزل عربي قديم، تابع لمطرانية السريان الكاثوليك يتم العمل حاليًا على ترميمه ليصبح سكنًا للطلاب الجامعيين.

نيافة المطران مار يوحنا جهاد بطاح، رئيس أساقفة دمشق للسريان الكاثوليك، قال إنّ "سورية مثل السامري الذي تعرّض للضرب على أيدي غرباء وجرح وترك مرميًّا على الأرض، وهناك من فكّر في حال هذا الشعب وجاء لمساعدته، ونحن نهدف إلى إعادة البسمة والرجاء لشبيبتنا ولشعبنا كلّه الذي أصبح يشعر بعد الحرب أنه منسي ومتروك".

ثمّ كانت زيارة دار القديسة بربارة لرعاية المسنين التابع للكنيسة المارونية، اتجهوا بعدها لزيارة معرّة صيدنايا في ريف دمشق، حيث كان الوكيل البطريركي الأرشمندريت جورج جبيل في استقبالهم في دير مار الياس، حيث تمّ ترميم إحدى قاعات الدير لتكون جاهزة لاستقبال المخيمات الشبابية من مختلف الكنائس إلى جانب المناسبات الاجتماعية المختلفة.

في ختام جولتهم لليوم الأول، زار الوفد "مركز البركة" للأنشطة الشبابية في بلدة معلولا بريف دمشق، التابع لبطريركية الروم الأرثوذكس، بهدف الاطلاع على مقترحات المشاريع التي من الممكن ترميمها مستقبلاً.

منارة تعيد المهاجرين إلى أرضهم

في محافظة حمص، كانت البداية من بلدة صدد، من دير مار أنطونيوس الكبير التابع لبطريركية السريان الأرثوذكس، والذي يتم العمل على ترميمه ليصبح شعلة نور تضيء حياة أهل صدد وتعيد إليهم الحياة.

مطران حمص وحماة وطرطوس وتوابعها، المطران تيموثاوس متى الخوري، أثنى على الجهود المبذولة من خلال برنامج إعادة ترميم وتأهيل المنشآت الكنسية والاجتماعية المتضرّرة من الحرب في سورية، واصفًا إياه بالمميّز، لأنّه موجّه لإعادة إحياء الكنائس أو الأديرة أو الملحقات الخاصة بها وبالتالي إعادة إحياء الحياة الروحية والنشاط الإنساني الذي كان يملأ هذه الأماكن المقدسة. ارتباط المشرقيين بالكنائس هو أمر أساسي، وكلّ الذين اضطروا للرحيل بسبب الحرب والتهجير، يفكرون أولاً في مساعدة الكنيسة وبنائها قبل التفكير في بناء بيوت لهم. هذا البرنامج الهادف إلى إعادة تأهيل البنى التحتيّة لدور العبادة أو المنشآت التابعة لها، من شأنه أن يساعد على ارتباط الناس بالكنيسة ويساعد الكنيسة على تأدية رسالتها الروحية والإنسانيّ والإجتماعيّة من خلال المقرّات التي يتم إعادة ترميمها، وبالتالي هي مبعث أمل وفرصة للكثير من الأشخاص للعودة إلى وطنهم".

كانت الوجهة الثانية بعد ذلك إلى كنيسة القديس ميسروب ومدرسة اسحاقيان اللتان تم ترميمهما ضمن المشروع خلال العام الماضي.

زرع الكنيسة في وجدان الشباب

قبل التوجه إلى حلب، كان الاطلاع على كنيسة الروح القدس في بطريركية السريان الكاثوليك، وسط حمص القديمة، التي تضرّرت كثيرًا خلال فترة الحرب ويتم اليوم إعادة ترميمها مع غرف النشاطات بالإضافة إلى تزويد البطريركية بكافة تجهيزات الطاقة الشمسيّة وصيانة المصعد.

في حلب، نقل الوفد تهنئة ومباركة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس لنيافة المطران أفرام معلولي على تنصيبه متروبوليتًا على أبرشية حلب والاسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس، كما نقلوا أيضًا تهنئة الدكتور عبس للمطران بطرس قسيس على تنصيبه متروبوليتًا على أبرشية حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس.

من المشاريع الأخرى التي تمّ تنفيذها ضمن برنامج "صندوق ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والاجتماعية المتضرّرة جراء الأزمة في سورية"، دار الرحمة للمسنين التابع لبطريركية السريان الأرثوذكس، وقد أكّد نيافة المطران بطرس قسيس أن إعادة ترميم دار الرحمة للمسنين كان الخيار الأول للبطريركية عندما عرض عليها المشاركة في برنامج ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والاجتماعيّة المتضرّرة لأن الدار قبل أن يخرج عن الخدمة بفعل الحرب كان يقدّم خدمة للفئة المهمشة والمستضعفة في المجتمع وهي فئة المسنين.

كما أكد نيافته أن هذه الدار "تكمل رسالة الكنيسة الاجتماعية التي يجب أن تستمر في كلّ زمن وفي كلّ وقت وخاصة في زمن الحرب الذي هو زمن قاسٍ وصعب".

التعليم سلاح في وجه الحرب

من المشاريع التي اهتم مجلس كنائس الشرق الأوسط بتنفيذها ضمن مشروع "صندوق ترميم وتأهيل المنشآت الكنسيّة والاجتماعية المتضرّرة جراء الأزمة في سورية"، ترميم عدد من المدارس، منها مدرسة الثانوية السورية الخاصة التابعة لبطريركية الأرمن الأرثوذكس، التي تم ترميمها خلال العام الماضي، ويتم العمل هذه السنة على ترميم مدرسة "دار السلام" التابعة للبطريركية ذاتها.

هذا بالإضافة إلى الاهتمام بإنشاء مراكز تهتم بتدريس الطلاب من مختلف المراحل الدراسية إلى جانب دورات اللغة الانكليزية والكومبيوتر والدورات المهنية التي من شأنها أن تساعد المستفيدين منها على الدخول إلى سوق العمل، وذلك كلّه بشكل مجاني.

كنيسة سيدة البشارة التابعة لكنيسة اللاتين، إهتمت بتنفيذ هذا المشروع مستفيدة من البرنامج الذي ينفّذه المجلس وتم ترميم قبو الكنيسة والاستفادة منه لدعم الطلاب دراسيًا ممن هم غير قادرين على تحمّل أقساط الدروس الخصوصية أو أقساط المعاهد.

يزور هذا المركز، الذي تم ترميمه العام الماضي، العديد من الطلاب والشباب الراغبين في تعلّم اللغة الانكليزية والكومبيوتر، ليتمكّنوا من زيادة مهاراتهم وبالتالي زيادة فرصهم في العثور على عمل.

وتعمل الكنيسة ذاتها هذه السنة، وبالتعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط، على إعادة ترميم بيت "يسوع العامل" الذي سيخصّص لإقامة أنشطة مشابهة.

يتطلع الكثير من السوريين الذين تحدّوا ويلات الحرب وأصرّوا على البقاء في بلدهم، إلى إعادة ترميم كلّ ما هدمته الحرب من كنائس ومنشآت تابعة لها، لأن ذلك يعطيهم الأمل بأن الحياة ستعود إلى مجراها الطبيعي كما كانت عليه قبل الحرب، وسيرمم أيضًا أرواحهم المتعبة. كلّ تلك الأبنية والكنائس لا تحمل فقط سراجًا ينير للناس دربهم، بل تحمل أيضاً ذكريات شعب بأكمله.

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

معًا نتكاتف ونصلّي