(مع فيديو الكلمة)

في إطار متابعة نتائج الجمعيّة العامة الثانية عشرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط، ترأّس الأمين العام د. ميشال عبس وفدًا من المجلس في زيارة إلى غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس ورئيس المجلس عن العائلة الأرثوذكسيّة، يوم الاثنين ٢٠ حزيران/ يونيو ٢٠٢٢ في المقرّ البطريركيّ في البلمند، شمالي لبنان. وذلك بهدف تهنئة غبطته على إعادة انتخابه رئيسًا لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسية،  وإطلاعه على مشاريع المجلس وأنشطته المستقبليّة كجزء من مقرّرات الجمعيّة العامة.

خلال اللّقاء ألقى الأمين العام د. ميشال عبس كلمة يمكنكم مشاهدتها وقراءتها عبر الفيديو والنصّ في ما يلي. كما يمكنكم الضغط هنا لقراءة خبر الزيارة كاملًا.

غبطة البطريرك يوحنا العاشر الجزيل الإحترام

حضرة القسّ والآباء المحترمين

أيّها الزملاء الكرام

بعد انتهاء أعمال الجمعية العامة الثانية عشرة وانتخاب رؤساء المجلس وأعضاء اللّجنة التنفيذيّة، هذه باكورة زياراتنا كوفد رسميّ يقصد صاحب الغبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق ورئيس المجلس من أجل تقديم التهنئة له والوقوف على آرائه في مختلف المواضيع المطروحة والحصول على توجيهاته بما يتعلق بعمل مجلس كنائس الشرق الأوسط.

نزور صاحب الغبطة يوحنا العاشر الجزيل الإحترام، الغزير الحكمة والمحبّة وصاحب النظرة الثاقبة والبعيدة المدى، والكثير من الهواجس والأسئلة تجول في خاطرنا حول المنطقة والكنيسة والعالم وما يحضّر للغد في غرف مظلمة، للبشريّة والمنطقة، وما يمكنه أن يكون دورنا كمؤسّسة محدودة الإمكانات أمام التحدّيات المطروحة علينا والتي نراها تتضاعف يومًا بعد يوم.

نزور صاحب الغبطة ونشعر بالقلق من التطورات التي تجري في العالم الذي يبدو مشتاقًا إلى الإنقسامات والحروب والنزاعات وكأنّ البشرية هي على موعد مع جلد للذات عبر جلد للغير. ينسى مثيروا الفتن أنّهم أُكلوا يوم أُكِلَ الثور الأبيض.

هناك ابتعاد واضح عن القيم المسيحيّة المبنيّة على المحبّة والتي تتوسّل السلام والعدالة من أجل بناء غدٍ أفضل للإنسان، كما أنّ هناك تنكّر للمسيحيّة ومؤامرات تحاك عليها وكأنّنا بهذه البشرية قد نسيت أين يكمُن نبع حضارتها وتقدّمها والرفاه الذي تعيشه.

أمّا الأسوأ، فهو ما يهدّد منطقتنا، والتي اسمّيها المشرق الأنطاكي، بكلّ مكوّناتها، مع التركيز على المسيحيين ومحاولة اقتلاعهم من جذورهم، نفسيًّا، قبل الشروع بالإقتلاع المادي.

إنّ دور الكنيسة هنا أساسي كما دور مجلس كنائس الشرق الأوسط.

تشكّل الجولات التي تقومون بها يا صاحب الغبطة والعظات التي تلقونها على المؤمنين والمجتمع بأسره يسمعها، الردّ المباشر على هذا الجوّ المرَضي الذي تحاول بعض الدوائر الدوليّة أن تشيعه بالتنسيق مع بعض الداخل.

ما تقومون به يا صاحب الغبطة من شأنه تعميق الجذور وتحصينها وتحريك الذاكرة الجماعيّة والتاريخيّة لأبنائنا مذكّرين إيّاهم أنّنا أهل الأرض، أصحاب الأرض، بناة الحضارة التي شيّدت عليها، ومجترحو الثقافة التي تنهج بها شعوبها وذلك منذ ما قبل التاريخ الجلي.

إنّ قيادتكم في هذا المجال تاريخيّة، وأنتم بذلك ترسمون للمسيحيين إطار عمل جريء وأفقًا واسعًا، كما للمجلس الذي انتهى للتو من أعمال جمعيّته العامة التي ترأستم جلستها الختاميّة، وكان شعارها الشجاعة ونزع الخوف.

التخويف يرتدي الثوب الكميّ، العدد، وقد نسوا أن السيّد المتجسّد الذي لا فناء لملكه قد استقطب المعمورة بعدد ضئيل من الصيادين وغيّر وجه الوجود الإنساني.

إن جذور رسالة السيّد المسيح ضاربة ليس فقط في عمق مشرقنا وشرقنا، بل في كلّ بقعة بنيت عليها حضارة، وما المحاولات المشبوهة والمكشوفة المصادر، لتغيير تسميات المناسبات والأماكن وغيرها من رموز المسيحيّة، إلّا صفعة في الهواء. سوف يبقى عيد جميع القدّيسين على تسميته وسوف يبقى الصليب الأحمر شعار الرحمة والإغاثة وسوف يبقى الصليب شعار الصيدلية وسوف يبقى اسم عيد القيامة على ما هو وسوف تبقى الساحات والأماكن في كل أصقاع المعمورة تحمل أسماء قدّيسيها.

نوقن جيدًا أنّنا نعيش في منطقة متعدّدة الأديان والإثنيات، ولكننا نعرف جيدًا كيف نكون شركاء في هذا التنوّع، لا بل نحن مدعوون إلى إدارته ونملك الدراية والخبرات لذلك، بفضل مواقفكم ورعايتكم وتوجيهاتكم. كلّ ذلك في سياق تجديد الميزة التفاضليّة للمجلس وإعطائه دورًا متجددًا في محيطه. ولكن، نظرًا لمحدوديّة مواردنا، فإنّنا نعمل بمنهج العمل النموذجي-القدوة – أي البايلوت - ومنطق الحصى التي تسند الخابية.

صاحب الغبطة،

نحن إذ نتهيّأ لمرحلة ما بعد الجمعية العامة الثانية عشرة، ننطلق من التوصيات التي انتجتها مجموعات العمل الخمسة والتي نعتبرها مجموعات تفكير، ثينك-تانك، وسوف نستأذنكم لذلك من أجل أن ندعوها إلى الإستمرار بالعمل الذي بدأت به خلال الجمعية العامة والذي كان قد جرى التحضير له قبل الجمعية عبر اجتماعات إستشاريّة متعدّدة.

منذ أن شرّفتموني فكلفتموني الخدمة في المجلس أعلنت أنّنا سوف نوسّع ونعمّم ونرسّخ ثقافة العمل التشاوري، لأن الشورى هي مشاركة الناس بعقولها، وكنائسنا تزخر بالعقول، والقلوب طبعًا.

هذا هو المنحى الذي سِرنا به، زملائي وأنا، منذ بداية خدمتي والذي سوف نحرص على استمراره من أجل خدمة أفضل للكنيسة والإنسان والمجتمع في منطقتنا كما خارجها، قدر المستطاع، إذ أنّنا نشعر أنّ لنا دور في محاربة التضليل الذي يطالنا في شتى أنحاء العالم.

 إنّني، إذ أنهي كلمتي، أصلّي إلى الرب القدير أن يحفظ صحّتكم وعافيتكم لكي تتابعوا ما تقومون به من أجل الكنيسة والإنسان. في نفس الوقت نطلب أن تبقونا في دعائكم وصلواتكم لكي يستطيع المجلس القيام بكل العمل المناط به.

وإلى سنين عديدة يا سيّد!

 

ميشال عبس

البلمند في 20 حزيران 2022 

ألقيت هذه الكلمة خلال زيارة وفد مجلس كنائس الشرق الأوسط الى غبطة البطريرك يوحنا العاشر في المقر البطريركي في البلمند

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي - عيد قلب يسوع

Next
Next

في الفنون والإعلام نبني كرامة الإنسان