مجلس كنائس الشرق الأوسط، موئل حوار ومصالحة

English

ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس هذه الكلمة في الإحتفال الّذي أُقيم لمناسبة ذكرى ستين سنة لإصدار وثيقة "في عصرنا NOSTRA AETATE"، وذلك يوم السبت 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في الصرح البطريركي الماروني - بكركي، لبنان.

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

عندما اجتمعت، في زمن مبارك من ازمنة المشرق الانطاكي، مجموعة من الرؤيويين، لانشاء مؤسسة مسيحية جامعة قائمة على المسكونية، كان الرب بينهم، وكانت نوسترا ايتاتي حاضرة بينهم عبر الروح القدس راعيهم، فأنتجوا رؤية تبين لاحقا انها بعيدة المدى، وان مفاعيلها بعيدة الأمد.

في مقدمة دستور هذه المؤسسة الحوارية التوحيدية، على الصعيد المسيحي أولا، ورد على قلمهم ان هدف المجلس هو تعميق الشركة الروحية بين كنائس الشرق الأوسط وتوحيد كلمتها وجهودها إسهامًا في العمل من أجل وحدة الكنائس وتأدية لشهادة إنجيلية حية تهدف إلى نشر رسالة الخلاص والمصالحة بالرب يسوع المسيح والمحبة والسلام والعدالة في المنطقة وبين شعوبها.

منذ المنطلق، كان منطقي الحوار والمصالحة حاضرين في اذهان الآباء المؤسسين، ليس فقط بين المسيحيين، بل أيضا، وبصريح العبارة، بين أبناء وشعوب هذه المنطقة التي ما فتئت تغلي منذ قرون، ولما تجد لنفسها أي شكل من اشكال الاستقرار.

لاحقا، خلال شرح منهجيات المجلس في الوصول الى هذه الأهداف المعلنة، وردت تعابير تحسم الريبة باليقين، مثل الحوار، وتعزيز روح الشراكة، والوعي المسكوني، وتفهّم تقاليد الكنائس الأعضاء، والإغناء المتبادل، وتفعيل المشاركة بالصلاة، والتعاون والعمل المشترك في سبيل الخدمة الإنسانية وتحقيق العدالة، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتعزيز الحضور المسيحي للتمكن من الثبات بحرية وسلام ومساواة في المواطنة والحقوق والواجبات. ويختتم المؤسسون الرؤيويون رسم خطوط مستقبل هذا المسار الواعد بالتأكيد على تنمية ودعم الحوار المنظم الهادف إلى الفهم المتبادل لتعزيز وترسيخ السلام والألفة بين الشعوب من اجل خير الإنسانية.

عمل مجلس كنائس الشرق الأوسط في المنطقة منذ ما يفوق النصف قرن، وقد اعاد تعريف هويته ودوره في كل مرحلة حسب تحدياتها ومتطلباتها، فكان في تفاعل مستمر مع محيطه حسب تطلعات اهله.

يجسد مجلس كنائس الشرق الأوسط روح وتطلعات الحركة المسكونية في مهد المسيحية، والمقارنة بين "الثقافة والروح المسكونيتين " في بدايات عمله واليوم، تقدم الدليل على تأثير مجلس كنائس الشرق الأوسط في العلاقات بين الكنائس، خصوصا انه مكون من العائلات اللاهوتية الأربعة، تتفاعل مع بعضها بثقة ومحبة، وتتخطى الفروقات التي كانت سببا لخصومات داما قرونا، وكانت دامية أحيانا، وذلك عبر الحوار الذي طبع هوية وثقافة المجلس منذ تأسيسه.

في بيئة الشرق الأوسط تم إنشاء المجلس من قبل كنائس المنطقة ليكون بيئة عمل بين الكنائس، ولكي يكون له دور رئيسي في التقارب بين الكنائس، والتقريب بينها على جميع المستويات الممكنة، وإذ به، انطلاقا من منطق الحوار القائم على قبول التمايز الذي بنيت عليه المسكونية، يتحول الى وسيلة تقارب بين الأديان، والاعراق، والجماعات الاثنية، وغيرها، ويتحول الى موئل حوار وتفاعل ومصالحة بين ناس هذه المنطقة، المشرق الانطاكي ووادي النيل.

هوية مجلس كنائس الشرق الأوسط تشمل أيضا غير المسيحيين في المنطقة، وهو كان دائمًا، بتفويض من الكنائس وباسمهم في المرحلة الاولى، المتحدث الرئيسي مع المحمديين على اختلاف مذاهبهم، وقد نظرت قياداتهم بشكل دائم الى المجلس على أنه محاور صادق وحقيقي، يعني ما يقول، ويجسد ما يقول بالفعل كما بالقول، كما سوف يرد معنا لاحقا عند الكلام عن العمل التنموي.

نفس الثقة الموجودة بين المجلس وقيادات الطوائف المحمدية، موجودة على المستوى الشعبي، حيث استطاع المجلس ان يعمل ميدانيا بأمان واحترام في أماكن ساخنة في مختلف مناطق الشرق الأوسط، وذلك من دون اية عراقيل او مشاكل.

كل ذلك جعل ان يكون المجلس أحد مؤسسي اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، وغيرها من مبادرات الحوار في المنطقة العربية.

ان لمجلس كنائس الشرق الاوسط دور ريادي في الحوار والمصالحة، اذ هو قد اقرن خطابه التصالحي بفعل العمل التنموي على اكثر من صعيد.

لقد كان المجلس السباق في إغاثة المشردين الفلسطينيين، اذ أنشأ خمس مؤسسات تقدم لهم الخدمات التنموية في مناطق تشردهم، في بيروت وعمان، والناصرة، والقدس، وغزة، وما زالت هذه المؤسسات تعمل حتى يومنا هذا، ترافق اهل فلسطين في معاناتهم اليومية بشتى أنواع الدعم التنموي.

كذلك كان السباق في إغاثة الشعب اللبناني وتقديم خدمات التأهيل والتنمية له، في كل مناطق لبنان، دون استثناء، وما زالت الخدمات هذه مستمرة حتى يومنا هذا.

كذلك كان تدخل المجلس في اعمال الإغاثة والتنمية في العراق، تبعتها اعمال الإغاثة والتنمية في الجمهورية الشامية-السورية، وما زالت هذه الأخيرة مستمرة حتى اليوم. اما الأردن، فان للمجلس فيه مشاريع تنمية تطال كافة شرائح المجتمع الأردني، والمشاريع المماثلة في مصر هي على طريق التحضير، وبرامج الحوار جزء أساسي منها.

في كل ذلك، قدم المجلس خدماته لجميع من استطاع الوصول اليهم من الذين تضرروا وتحولوا الى العوز من جراء الحروب، دون أي تمييز من أي نوع كان، كما هو وارد في شرعة الإغاثة والتنمية التي انتجها المجلس منذ بداياته.

ابعد من التعامل مع الحاجات، تشكل جهود الإغاثة والتنمية هذه وسيلة حوار ومصالحة بين الناس، قائمة على اقران القول بالعمل ومد يد المساعدة للناس في أحلك ظروف حياتها.

كل ذلك مستمر حتى اليوم، وقد أصبح جزءا بنيويا من ثقافة المجلس وبنيته الذهنية، لدى لجانه الكنسية وفرق عمله كافة.

اما اليوم، وخارج إطار اعمال الإغاثة والتنمية، فان عملنا في الحوار والمصالحة يندرج تحت الأبواب الثلاثة التالية من ضمن دائرة خاصة قيد الانشاء تهتم بالحوار والتماسك الاجتماعي وتأهيل الكرامة الإنسانية ومنظومة القيم والرأسمال الاجتماعي:

- المساحات الدينية المشتركة في الشرق الأوسط: بدأ هذا البرنامج مع تعيين عيد البشارة في لبنان عيدا وطنيا، بمبادرة من اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، حيث تجمع الأديان على اعتبار بشارة مريم معتقدا مشتركا بينها، فكان ان أطلقنا هذا البرنامج عبر ندوة جامعة بمناسبة عيد البشارة في العام الماضي. سوف يلي هذا المشروع الحواري التوعوي مشاريع أخرى تطال مساحات دينية تحولت وطنية مثل المغطس في الأردن، ومكان لجوء العائلة المقدسة في مصر، ومكان ظهور المسيح على شاوول، إضافة الى أماكن أخرى في المنطقة تحولت محجات وطنية بعد ان كانت دينية بحت. يشمل البرنامج أيضا الأنشطة الدينية المشتركة مثل وضع شجرة الميلاد في بيوت المحمديين، او اشتراكهم في عيد الشعانين. يصح الامر نفسه في الاتجاه المعاكس حيث سوف نظهر للعالم المثقفين المسيحيين الذين تخصصوا وشرحوا الفكر الإسلامي، انطلاقا من اعجابهم بمكوناته. 

- محاربة الأبلسة وخطاب الكراهية: على اثر تفجير كنيسة مار الياس في الدويلعة قرب دمشق والمجازر التي حصلت في شام-سورية، بدأت أصوات تحاول ابلسة الجماعة الدينية المحترمة التي تنتمي اليها بالاسم الجماعات التكفيرية. إثر ذلك، اطلقنا برنامجا اسميناه "محاربة الأبلسة وخطاب الكراهية" من اجل تفادي استشراء هذه الثقافة في أوساط شعوبنا في الشرق الأوسط، والتي سوف تطال الجميع وتكون مدخلا لحروب داخلية لا تنتهي. لقد عرضنا المشروع على السلطات الحكومية في لبنان التي وجدت فيه ما يستحق التطبيق ووافقت ان تكون شريكا في هذه الجهود، والأمور قيد الاعداد.

- سباقون في الاخوة الإنسانية: انطلاقا من رسالة الحسين بن علي الهاشمي، شريف مكة، الى الجيوش العربية المرابطة في الشمال السوري من اجل حماية اللاجئين الأرمن والسريان الناجين من المجازر في بداية القرن العشرين، قمنا بتحضير مشروع مؤتمر حول هذا الانسان الملهم والراقي، من ضمن سلسلة مؤتمرات ضمن برنامج سباقون في الاخوة الإنسانية، وهذا المشروع هو قيد الدرس في المملكة الأردنية الهاشمية.

في نفس السياق، نقوم بتحضير برنامج حواري نطلقه في جمهورية مصر العربية، سوف يكون بالتعاون مع هيئات مصرية متعددة الأديان، وحكما بالاشتراك مع كنائسنا الأعضاء هناك.

هذا غيض من فيض الدور الحواري الذي يقوم به مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يعتبر في ثقافته المؤسسية ان الحوار هو غاية بحد ذاته وان اعتبر وسيلة في بعض الأحيان.

لقد توسع مفهوم المسكونية في المجلس، اذ بعد ان كان يشمل المسيحيين فقط على مختلف اطيافهم، ها هو يشمل جميع من في المسكونة، هؤلاء الذين من اجلهم تجسد السيد، من اجل خلاصهم ومن اجل ان تكون لهم حياة أفضل.

Previous
Previous

فيديو - 15 تشرين الثاني/ نوفمبر: تذكار الشهداء غوريا وصامونا وحبيب الشماس

Next
Next

فيديو - التحضيرات الجارية لزيارة البابا لاون الرابع عشر الى لبنان