هل ستُصَدقّ الأجيال؟
البروفسور ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
تحية الى المبادرة المسيحية الفلسطينية - كايروس فلسطين 2025
بعد جيل او جيلين او أكثر، بعد قرن، بعد الفية ربما، هل ستصدق الأجيال ما جرى ويجري منذ ثلاثة ارباع القرن على ثرى فلسطين؟
هل ستصدق الأجيال ان قوما أتوا لسنا ندري من اين، وادّعوا ان هذه الأرض لهم انطلاقا من وعد خرافي لا أساس له من الصحة، توسلوه كذريعة للاستيطان والقتل والتدمير؟
هل ستصدق الأجيال ان دولا تدّعي الحضارة قد احتلت ارضا ليست لها، وصادرتها من شعبها الذي يقطنها منذ ألاف السنين، ووهبتها لمن لا حق لهم بها؟
هل ستصدق الأجيال ان هذا المستعمر الذي وهب الأرض التي ليست له، الى أناس لا حقوق لهم بها، فسلحوهم، واسندوهم، واهدوهم غلبة زائفة، وثبتوا لهم ملكية أكثر زيفا، على هذه الأرض؟
هل ستصدق الأجيال ان الغزاة قد اغاروا على أصحاب الأرض الأمنين العزل، في غفلة من الزمن، وفي ظلام الليل، فأبادوهم، وهجروهم، وشردوهم في كل اصقاع المعمورة؟
هل ستصدق الأجيال ان الغزاة قد جرفوا الدساكر والقرى، وغيروا أسماء الأمكنة في محاولة لطمس هوية الأرض وانكار وجود الشعب الأصلي وانتمائه؟
هل ستصدق الأجيال ان صاحب الأرض، سيد الديار، قد أصبح لاجئاً في مخيمات البؤس، مشردا، يعيش شظف العيش ويقاوم ويصبر؟
هل ستصدق الأجيال ان حرب الإبادة ما زالت مستمرة على هذا الشعب الجبار، مانعة عنه الغذاء، والدواء، والماء، والهواء؟
هل ستصدق الأجيال ان من يدعون الديموقراطية وحقوق الانسان قد تنكروا لحقوق هذا الشعب الصامد، وينكرون عليه الحق بمقاومة المحتل؟
هل ستصدق الأجيال ان التدمير قد طال مؤسسات الشعب السيء الطالع، وبيئته وثقافته في محاولة لمحو أي أثر له على وجه البسيطة؟
هل ستصدق الأجيال ان جماعات قد تنكرت لحقوق هذا الشعب وهي من أبناء جلدته، من لحمه ودمه؟
هل ستصدق الأجيال ان ذلك يجري في زمن الاخوة الإنسانية، وحقوق الانسان، وحماية المهمشين، ودمج الموتورين، وحتى الرفق بالحيوان، وكل اشكال الاحتضان الاجتماعي الحديث؟
هل ستصدق الأجيال ان الكون وقف متفرجا بينما الأطفال يبادون بالألوف تحت ردم الأبنية؟
هل تصدق الأجيال ان حكومات قمعت شعوبها لأنها وقفت مع فلسطين، ضاربة عرض الحائط إرادة الناس بينما هي تتشدق بالحريات؟
هل ستصدق الأجيال ان ما يسمى العالم الحر يمد المحتل المستوطن بالسلاح لكي يحسن الفتك، بينما يحرم الشعب المقموع أدنى مقومات البقاء؟
لا، لن تصدق الأجيال لان كل ذلك يفوق الخيال ويجافي الحق والمنطق!
ان ما يجري على ارض فلسطين من إبادة واضطهاد وتنكيل واذلال، قد تخطى كل تصور!
لقد فضحت فلسطين كل من تآمر عليها، وتنكر لحقوقها، وغض الطرف عن معاناتها، وقدم الشرعية لجلاديها ولخائنيها.
هل قتل أمرؤ في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر في فلسطين!؟
منذ يوم النكبة وقفت الكنيسة وقفة الرجل الواحد مع فلسطين، فكانت اول من اغاث، واحتضن وساعد ودعم.
كنائس الشرق الأوسط، ومن يدعمها من كنائس العالم، كانت اليد المُحبة الأولى التي امتدت الى الشعب المشرد الفلسطيني وسارت معه طريق الجلجلة وما تزال.
لقد أنشأت الكنيسة في الشرق الأوسط خمس مؤسسات اغاثة كنسية، ذات طابع مسكوني، لخدمة منكوبي فلسطين، واحدة في القدس، وثانية في الناصرة، وثالثة في غزة، ورابعة في عمان، وخامسة في بيروت، وقد عملت هذه المؤسسات دون كلل ولا ملل حتى يومنا هذا.
وعند إنشاء مجلس كنائس الشرق الأوسط، جرى ضم هذه اللجان المستقلة في دائرة مسكونية موحدة لخدمة مشردي فلسطين.
مجلس كنائس الشرق الأوسط، أي كنيسة المسيح مجتمعة، يشكل الظهير المسيحي المسكوني القوي لخدمة ناس فلسطين والدفاع عن حقوقهم، منذ النكبة.
مجلس كنائس الشرق الأوسط كان اول من أطلق تسمية إبادة جماعية وتطهير عرقي على ما يجري في غزة اليوم.
عند قصف المستشفى الإنجيلي في غزة، صلينا في مكتب المجلس في رأس بيروت، تلي الانجيل خلال الصلاة من المستشفى في غزة.
البوصلة واضحة في المجلس، والتوجه لا جدل حوله، وهو هكذا منذ التأسيس.
مجلس كنائس الشرق الأوسط، تزخر أدبياته بكتابات عن فلسطين، وهو يوصل صوت فلسطين الى كل انحاء العالم، عبر الهيئات المسكونية التي تربطه بها عروة وثقى.
ان جزءا من التغير في المزاج الشعبي، الطالبي خصوصا، في الغرب، انما مرده الى المناصرة والتواصل التي تقوم بها الكنائس منذ عقود.
نعم لقد قامت الكنيسة بدورها في قضية فلسطين، وهي، بذلك، قد برّت بوصايا السيد وقدوته، وسوف تستمر كذلك حتى احقاق الحق.
أؤكد لكم، لن تصدق الأجيال التي لم تولد بعد، ان كل ذلك حصل ويحصل على الأرض التي تجسد فيها السيد، ونشر تعاليمه، وصلب وقام. لن تصدق الأجيال لان في ذلك مس بإنسانية الانسان وكرامته، ولكن لن يشعر بالعار من لا يعرف العار، ولا يعرف العار من لا يعرف الشرف.