رسالة الميلاد 2025 من الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس

"نور في عتمة عصر الانحدار"

English

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

هو الزمن الميلادي، يوم تجسدت الكلمة، واستحالت انسانا، يوم نزل السيد الى خاصته لكي يفتديها بدمه الزكي من اجل العهد الجديد، عهد ابن الانسان.

تفرح المعمورة بالزمن الميلادي، وتتبرج المجتمعات، وترتدي حلة العيد، وتبذل الغالي والنفيس، من اجل ان تعيش الموسم الميلادي وتحتفل بالعيد الذي ينير ليل الإنسانية المظلم.

لسنا متأكدين انه، في ذروة الفرح والبهجة التي ترافق العيد، يوقن المحتفلون حقيقة ابعادِ الميلاد، ورمزيةِ التجسد، او انهم ما زالوا يتذكرونها في حمأة الاحتفالات، وسعير المشتريات، في مجتمع رفع الانفاق والبذخ الى مستويات اعلى من التأمل الروحي والزهد الايماني.

تعلو أصوات احتفالات الميلاد في العالم، وضجيجها، وصخبها، لدرجة ان العيد يفقِد معناه الحقيقي، ويتحول الى مناسبات اجتماعية تضيع في متاهاتها رمزية المناسبة وتفقد مغزاها.

يدهشك عند مشاهدة الاحتفالات الميلادية في امكنة كثيرة حول العالم، الغياب التام للمتجسد العظيم الذي تدور حوله المناسبة، كما يذهلك اختراع اشكال غريبة عن الحدث، جلها ذو طابع استهلاكي، لا تساعد في أي شيء يشرح معنى العيد او العبرةُ منه.

حدثٌ بهذه الأهمية يتحول الى مجموعة من الأنشطة الترفيهية الترويجية، لا تخدم الهدف بشيء.

هذه ذروة الانحدار الذي يقود الى قاع الظلام!

ما اشبه الليلة بالزمن السحيق، حيث كانت البشرية تائهةٌ في غياهب الضلال، تبحث عن مخلص إنتظرته طيلة الدهر.

هو ذلك الذي أشار اليه الصوت الصارخ في البرية، والذي اتى نورا للأمم،

هو ذلك الذي انبانا عنه الشاهد للنور، السراج الموقَد المنير،

هو "الذي فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس"،

هو النور الذي "يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه"،

هو النور الذي اذا ما سرنا معه لا يدركنا الظلام،

هو النور الذي لشدة سطوعه لم يعرفه العالم،

هو مظهر النور الذي يغلب الظلام، ظلامَ الكون وظلامَ الضمائر،

هو نور من نور، ولأجل النور، كما سوف نصلي في أسبوع الوحدة،

هو نور العالم الذي يخلّصه من ظلام الخطيئة واليأس، وينير له سَواء السبيل،

هو الذي كلامه نور لسبيلنا،

هو نور العالم، من يتبعه "لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة"،

هو النور الذي يمنع عنا الظلام فنعلم أين نذهب،

هو النور الذي بإيماننا به نصير أبناء النور،

هو النور الذي ينبلج من كنيسة القيامة معلنا العهد الجديد،

هو السراج الذي خرج من تحت المكيال، وصعد الى قبة السماء، فأصبح يضيء لكل من في العالم،

هو الذي يجعل منا نورا للعالم،

بميلاده يسطع النور من جديد على اهل الأرض، مبشرا إياهم بزمن افضل،

بميلاده يصبح كلُ مولود املا جديدا وكلُ طفل وعدا بحياة ارقى،

البشرية مدعوة الى ان ترى النور، فلا تحتاج ان تتلمس طريقها في عتمة صخب الحياة،

نور المحبة يسطَع عبر البشارة، فالولادة فالصلب فالقيامة،

ميلادك أيها السيد قد انار العالم،

نجم ميلادِك أيها المتجسد اشرق ليرشد المجوس القادمين من بابل،

نجم ميلادِك أيها المخلص استحال نورا للأمم،

كم تحتاج الأمم الغارقة في الضلال الى نجمك اليوم،

نجمُ محبتك التي لا حدود لها، وفداؤك الذي لا وصف له،

كم تحتاج حياتنا التي يجتاحها الاضطراب الى هدي نورك ينير دروبَنا،

حياتنا الغارقة في الانانية، والحقد، والضغينة، والخيانة، كم هي عطشى لبريق ضيائك ايها الّذي به كان كلّ شيء،

اقبلنا يا مخلص شركاءً في رسالتك ومحبتك لبني البشر،

أهلنا يا سيد ان نحمِل قيمك الى الإنسانية لعلها تهتدي،

اجعلنا أيها الفادي ان نحمل نورك حتى انقضاء الدهر رأفة بالإنسانية،

اذكرنا يا رب في ملكوتك، في عرش النعمة، لعلنا نهتدي،

ميلادك دوما مجيد أيها المولود قبل الدهور!

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يدعم السيّدات في لبنان