اللجنة التنفيذية في اجتماعها

مسارات وعبر

English

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

اجتمعت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت، خلال الأسبوع الفائت، برئاسة رؤساء المجلس او من فوضوه إدارة الجلسات عنهم، اذ ان بعضهم قد غاب لأسباب طارئة، وبحضور الأمين العام والأمناء العامّين المشاركين، وفريق العمل من مدراء الدوائر والأقسام وإداريين، وفنيين.

عند انطلاق الاجتماع، كانت دقيقة صمت، وصلاة لراحة نفوس الذين ارتقوا شهداء في مجزرة كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في الدويلعة – دمشق، نتيجة للتفجير الارهابي، وقد اخذت جريمة تفجير الكنيسة حيزا كبيرا من الوقت المخصص لمناقشة شتى المواضيع. في هذا السياق كان تنديد شديد بشتى أشكال العنف أي كان مصدره، وكان شجب شديد لخطاب الكراهية والتطرّف والعنصريّة وما يجري اليوم من أعمال عنف تعتبر اهانة بحقّ الإنسانيّة.

على أثر ذلك، توافق المجتمعون على زيارة غبطة البطريرك يوحنا العاشر في اليوم التالي في المقر البطريركي في البلمند، من اجل التضامن معه والتعبير عن الأسى لسقوط كل هذه الضحايا البريئة. وهذا ما حصل، إذ امّ المقر البطريركي في اليوم التالي وفد كبير يمثل اللجنة التنفيذية للمجلس وفريق العمل، وكان لقاء تضامني عبّر فيه الحاضرون عن عميق مشاعر المحبة وشديد التكاتف بين مريدي السلم الأهلي في هذه البلاد، الذين يرفضون كل اشكال العنف والترهيب والاخضاع، من أي كان وتجاه أي كان.

خلال اللقاء، أكّد الوفد أن دم الشهداء واحدٌ في كل مكان، وأن الجريمة المستنكرة لا تستهدف فقط المسيحيين، انما كلّ مكوّنٍ في هذا الشرق، وهي أيضا تشكل تهديدا للحياة المشتركة لسائر أطياف بلدانه.

من جهته، شكر غبطة البطريرك يوحنّا العاشر من القلب أعضاء الوفد على موقفهم التعاضدي مع أبناء الكرسي الأنطاكي في هذا المصاب الأليم، واكد أنّ الدماء التي سالت في كنيسة مار الياس هي دماؤنا جميعاً. كذلك قدم غبطته شرحًا عن المجزرة الأليمة، وشدد على أهمية التعاون والتنسيق بين الكنائس والهيئات والمنظمات الكنسيّة.

 في سياق مواز، دعا غبطة البطريرك الكاثوليكوس رفاييل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان الى المشاركة في مراسم تقديس الطوباوي الشهيد المطران أغناطيوس مالويان، يوم الأحد 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025 في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان.

وقد تخلل الاجتماع كلمة للأمين العام للمجلس البروفسور ميشال عبس ركز فيها على دور مجلس كنائس الشرق الأوسط كمجتمع معرفي، مشددا على ضرورة التآزر والتشبيك بين المؤسسات المسكونية، تبعه عرض شريط وثائقي عن الخمسين سنة لمجلس كنائس الشرق الأوسط بعنوان "حضور وشهادة"، 

كذلك قدم الأمين العام ومسؤولي الدوائر تقارير عن مشاريعهم وانجازاتهم في المجالات اللاهوتية والمسكونية والإنسانية والإغاثية والإعلامية والحوارية وكافة الاعمال الإدارية التي تساند نشاطات المجلس، إضافةً إلى التقرير المالي. وبعد مناقشة التقارير، اثنت اللجنة على عمل فريق الأمانة العامّة للمجلس ودوائره وأقسامه، واخذوا القرارات المناسبة لعمل المجلس ومستقبل نشاطاته.

إضافة الى ذلك، توجت اللجنة التنفيذية اجتماعها بعدد من التوصيات طالت كافة النواحي الراهنة والاستشرافية في حياة المنطقة والكنيسة، وقد شملت أولا تبعات المجزرة الإرهابيّة الّتي وقعت في كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في الدويلعة – دمشق، ومعاناة الشعب السوري، كما دعوا الى إنهاء حرب الإبادة التي تشن على غزة، والاعتداءات من المستوطنين في الضفة الغربية، كما دعم المجتمعون موقف دير القديسة كاترينا في سيناء وطالبوا بالحفاظ عليه وعلى الإرث الذي يمثله. إضافة الى ذلك أشاد المجتمعون بالجهود التي يبذلها المسؤولون في لبنان ومصر والأردن والعراق لتعزيز الاستقرار وقيم الحرّية والعدالة وحقوق الإنسان، ودعوا أبناء الكنائس إلى الثبات في الإيمان والديار رغم كلّ الصعوبات التي تعاني منها بلداننا. كذلك كانت مطالبة بإنهاء الحرب الأهلية في السودان، وتكرار الدعوة إلى توحيد جزيرة قبرص.

اما على الصعيد الكنسي، فقد شدد المجتمعون على تعزيز مبادرات الوحدة المسيحية الشاملة، وهي وحدة القلوب والتآخي، كما أكّدوا ان انعقاد اللّجنة التنفيذيّة قد أتى تتويجا للسنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط.

هذا الاجتماع للجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، على قصر مدته التي دامت يوما ونصف كون زيارة المقر البطريركي في البلمند قد استغرقت نصف نهار، كان كثيفا من ناحية غزارة وغنى المناقشات ونوعية القرارات المتخذة، وسوف يكون له اكمال في الأشهر القليلة المقبلة.

لقد اتى هذا الاجتماع، الكثير المسارات، غنيا بالعبر لناحية رمزية وعملانية نتائجه.

لقد اظهر هذا الاجتماع ان كنيسة المسيح واحدة موحدة بحكم انهم كانوا في الاجتماع واحدا لناحية التوجه وإرادة العمل معا وتفعيل العمل المشترك.

لقد اثبت هذا الاجتماع ان المسيحيين متضامنين مع بعضهم البعض ومع مجتمعاتهم التي يشكلون جزءا أساسيا من تاريخها، وصيرورتها، وكيانها، وثقافتها.

لقد ذكّر هذا الاجتماع ان هذه الأرض ما زالت مهد الشهداء والقديسين وان مقولة كل شبر بشهيد تنطبق عليها.

لقد نضح عن هذا الاجتماع جو متقدم من الديموقراطية بحيث ان التفاوت في وجهات النظر لم يحل دون الوصول الى استخلاص قرارات حاسمة حول أمور أساسية في حياة الكنيسة والمجتمع والمجلس.

ان القرارات العملية المتخذة خلال جلسات العمل تشير الى ان أبناء الكنيسة ليسوا منسحبين من الحياة العملية، لا بل يعون تماما أوضاع مجتمعاتهم ويقدمون على خدمتها بأفضل الوسائل.

ان الدراية والخبرة المشتركتين التي يكتنزها مندوبو الكنائس وفريق عمل المجلس يشيرون الى ان التفاعل عبر عقود بين بعضهم البعض قد اوتي ثماره التي تعود بالفائدة على المجتمع.

كونهم مجتمعون على الخير يؤشر الى ان دور مجلس كنائس الشرق الأوسط كبوتقة للتفاعل بين المسيحيين وبينهم وبين أبناء مجتمعاتهم ما زال بنفس الفعالية التي ارادها المؤسسون الرؤيويون.

ان المأسسة المتصاعدة التي يشهدها المجلس وهو قد أنهي سنته الخمسين، تشير الى انه مؤسسة طويلة الأمد، ولد لكي يبقى مكان لقاء وحوار وتفاعل، إضافة الى انه المكان الذي منه انطلقت مشاريع اجتماعية وثقافية وحوارية ليس لها عد ولا حصر.

ان نوعية وكمية المشاريع التي انجزها فريق العمل تؤكد ان التدريب المؤسسي والمهني والفني يؤتون ثمارهم في خدمة الانسان والمجتمع، من ضمن إطار ايماني جامع ومحفّز.

ان مضاء العزيمة والتمسك بالإيمان وحسن تحديد الأهداف هي من مقومات الصمود والبقاء للمسيحيين كما لغيرهم من أبناء الوطن.

ختاما، يبقى ان نشير الى ان تعديل برنامج الاجتماع من اجل زيارة غبطة البطريرك يوحنا العاشر للتعبير عن التضامن معه، هو الدليل على ان التضامن يبقى تاج العلاقات والاهتمامات، لان الرابط الاجتماعي والايماني بين الناس هو الضامن للانسجام في الحياة الاجتماعية، أساس أي سلم اهلي.

ويبقى مجلس كنائس الشرق الأوسط مدرسة ايمان وحياة.

Previous
Previous

مجلس كنائس الشرق الأوسط يصدر نشرته الأسبوعيّة

Next
Next

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس يضيء على اجتماع اللّجنة التنفيذيّة للمجلس