نحو اجتماع للجنة التنفيذية
البروفسور ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
ينعقد خلال بضعة أيام اجتماع الجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، بعد تأجيله لعدة أشهر بسبب الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، والتي جعلت السفر محفوفا ببعض من المحاذير وبعض من المخاطر.
اللجنة التنفيذية هي السلطة الأعلى في المجلس، وهي التي تقر الأمور الأساسية والاستشرافية له. اليها تعود المؤسسات التي يتكون منها المجلس من اجل بت كل ما يصنف في باب حجر الزاوية في عمل هذه المؤسسة المسكونية، التي بدأت الخمسين سنة الثانية من عمرها الذي تريده الكنائس مديدا، في اطار من التجدد والابداع بحثا عن ميزات تفاضلية تحدد مسار عمله وخدمته الاجتماعية والمجتمعية، على كافة الصعد، المسكوني منها والتنموي والتربوي والحواري والبيئي، وغيرها من الصعد التي تهتم الكنيسة.
اللجنة التنفيذية الحالية تنعقد في توجه طويل الامد، من اجل رسم الإطار الاستراتيجي للسنوات القادمة، اكتمالا ومتابعة للخطة الإطار الذي اقرته اللجنة التنفيذية وتبناه الشركاء في العام 2021 ، والذي شكل إطار العمل في المجلس للسنوات الأربعة الماضية، وكان الأمين العام قد قدم تقريرا عن السنوات الأربعة المنصرمة خلال اجتماع اللجنة الذي عقد في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، والذي خصص لانتخاب الأمين العام.
سوف يعرض مسؤولو الوحدات التنفيذية في المجلس ما جرى إنجازه خلال عام ونصف من الاعمال والمشاريع، وذلك للسنة 2024، سنة العمر الخمسين للمجلس، والنصف الأول من السنة الحالية، 2025، وبذلك تصبح قيادة المجلس على بينة من كل ما انجز منذ الاجتماع الماضي. سوف تظهر التقارير التي ستوضع امام اللجنة التنفيذية الكم الكبير والنوع الرفيع مما قام به فريق صغير نسبة الى حجم الإنجازات، وذلك بأداء ذو سوية عالية، معاييره الفعالية والشفافية، وهذا ما جعل مصداقية المجلس في اعلى المستويات على الصعيد المحلي والدولي.
لقد بر المجلس بنسبة كبيرة بالوعود التي قطعها لقياداته وللشركاء الداعمين للعمل، وإذا كان هناك بعض البنود التي لم تنفذ من الإطار الاستراتيجي الأول الذي اقر سنة 2021، خصوصا مشاريع الإسكان وإعادة ترييف الكنيسة، فمرد ذلك الى أسباب خارجة عن إرادة الفريق العامل وسوف يجري شرحها خلال عرض الإطار الاستراتيجي الجديد، كما انها سوف تكون أولوية في السنوات الأربعة القادمة.
ان رؤية الفريق الحالي لمسار ومستقبل المجلس هي رؤية طويلة الأمد، أي ان هذه المؤسسة ليست عابرة في تاريخ المسيحية والمسكونية الشرق أوسطية، ولا طارئة، بل هي مؤسسة وجدت لتبقى وتستمر وقد اثبتت جدارتها وقدرتها على البقاء اذ استطاعت ان تخرج سليمة معافاة من الازمات التي عصفت بها، لا بل اقوى مما كانت عليه سابقا. ينطبق على المجلس القول الشعبي العربي "ان التجربة التي لا تقتلك تقويك"، وذلك بفضل حكمة القيمين عليه من لجان كنسية وفريق عامل، عملوا على الدوام بمنطق التآزر والتعاون الذين، من دونهما، يكون مصير اية مؤسسة الاضمحلال او كما يقولون في علم التنظيم، الانتروبي (Entropy)، أي انعدام وجود الانتظام في عمل المؤسسات وانعدام قدرتها على الاستشراف، مما يؤدي الى انحدارها التدريجي إلى الفوضى.
إضافة الى ذلك، والى جانب التقارير المحكمة الاعداد، والتي تستند الى توثيق عالي الجدية والمصداقية، فقد عمل فريق العمل، بإشراف الأمين العام وبناء على ثوابت العمل المسكوني التي أعدها، على بلورة الرؤية المستقبلية لنشاطات المجلس. سوف يجري عرض كل ذلك بالتفصيل خلال الاجتماع المرتقب، كما سوف يجري توزيع الإطار الاستشرافي لاحقا على الشركاء وعبر مواقع المجلس على الانترنت.
من اليوم فصاعدا، وهذا كان دأبنا خلال السنوات الأربعة الماضية، سوف يترافق بناء القدرات التنظيمية وكفاءات فريق العمل بالتوازي مع بلورة برامج العمل وتطويرها. اننا نطبق منطق ان لا نمو في اعمال اية مؤسسة من دون تنمية قدراتها التنظيمية والمهنية، وذلك من اجل استمراريتها.
ان إرساء العقلية المؤسسية، ووضعها في تفاعل مستدام مع ثقافة الابتكار والابداع والمبادرة، هي السبيل الناجع لجعل هذه المؤسسة تعمل بالشكل المناسب، وعلى المدى الطويل من اجل خدمة الكنيسة والحركة المسكونية في هذه المنطقة التي ما فتئت تحت الحصار والدمار منذ قرون، والتي يضحي فيها المسيحيون بكل غال ونفيس من اجل الحفاظ على ارث الأجداد المضرج بدمائهم.