فلسطين كمان وكمان...باقة من أنواع الابادة

English

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

حرب الإبادة الواضحة المعالم التي تشنها قوى الاحتلال والقمع، والتي باتت واضحة المعالم منذ عقود، تتخذ اشكالا مختلفة حسب حاجات المرحلة، وضرورات الاذية لهذه الشعب المعذب، وهدم كيانه الحضاري والسياسي والمعنوي.

لقد بدأت حرب العصابات على الشعب الفلسطيني منذ ما قبل تقسيم فلسطين، حيث كانت تُغير هذه العصابات، المدججة بالسلاح المعطى لها من الدولة المستعمرة، على الاحياء والقرى والدساكر الفلسطينية، فتعيث فيها قتلا وتشريدا ودمارا، مما أدى الى تهجير مئات الألوف من الفلسطينيين آنذاك، ونشوء القضية الفلسطينية. ترافق ذلك مع انشاء منظمات تعنى بشؤون إغاثة وتشغيل الفلسطينيين، مثل الاونروا (UNRWA)، التي تجري محاولات لشل اعمالها وإلغاء دورها، ودائرة خدمة الفلسطينيين (MECC-DSPR) في مجلس كنائس الشرق الأوسط، التي ما زالت تعمل لتاريخه.

تتالت بعد هذه المرحلة الأولى حروب اتخذت شتى الاشكال، من اغتيال قادة الشعب، الى هدم البيوت وتشريد الناس تحت ذرائع شتى، الى مصادرة مشاعات القرى واوقاف المؤسسات الدينية، وحتى الحقول المزروعة التي تشكل مصدر رزق للناس، فقد جرى الانتقام منها، ورمزية امرأة مسنة تضم شجرة زيتون من اجل منع المحتل من اقتلاعها، قد عمت العالم وتشكل رمز الصمود الفلسطيني السلمي.

في مرحلة لاحقة، جرى الاعتداء على مؤسسات السلطة الفلسطينية، مثل المحاكم وسجلات النفوس والسجل العقاري، وغيرها من مؤسسات القطاع العام الفلسطيني في استهداف واضح لشل قدرات الدولة على القيام بواجبها تجاه هذا الشعب الذي يعيش في تهديد يومي.

اما اليوم، فان قوى الاغتصاب، الثي لا ترويها كل الدماء التي اريقت، قد شنت هجوما على الكنيسة الأكبر في فلسطين، بطريركية القدس الارثوذكسية، هجوما اخد الطابع السافر لان ارهاصاته حتى اليوم كانت خفية، تظهر في الاعلام من وقت الى وقت، قبل ان تعود الى محفوظات "محاكم" المحتل بشكل ادعاءات ووثائق مزورة، تستعمل كذريعة من اجل مصادرة الأملاك الوقفية التي ورثها الفلسطينيون عن اسلافهم منذ قرون. قليلون يعرفون ان مؤسسات "دولة" الاحتلال مبنية على اوقاف هذه الكنيسة التي ما زالت تقاوم حتى اليوم، جنبا الى جنب مع شقيقاتها كنائس القدس، من اجل الحفاظ على الوجود والهوية الذين يريد الاحتلال محوهم من الوجود. اضغاث أحلام محتل يغذي غله بالخرافات!

وضع اليد على حسابات الكنيسة المصرفية، بالتزامن مع فرض ضرائب باهظة على الأملاك، يشير بشكل لا لبس فيه الى ان النوايا المبيتة منذ عقود تذر قرنها الى العلن، وبصفاقة معتادة عند المحتل، وقد نكون على ابوب مرحلة خطيرة تتعلق بالوجود الفلسطيني عامة، والمسيحي خاصة، في القدس.

هنا لا بد للعالم ان يتحرك من جديد على وقع الفتك الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، من الإبادة في غزة، الى التنكيل والتضييق والاغتيال في الضفة الغربية، الى شل قدرات الكنيسة على التحرك من اجل غوث الرازحين تحت نير الاحتلال وجوره.

لا يستطيع العالم ان يبقى متفرجا على شعب يباد في غزة، فيرسل له بعض المأكل والدواء،

لا يستطيع العالم ان يبقى متفرجا على شعب يخضع لتعذيب وقتل جماعيين في الضفة، فيستنكر،

لا يستطيع العالم ان يرى المؤسسات التي تشهد على الوجود المسيحي في القدس تتعرض لهجمة مصيرية، فيصدر بيانات شجب،

يجب ان يستجمع العالم أفكاره حول ما يجري من اشكال الإبادة في فلسطين، من قتل الناس، وتجويعها، وتركها فريسة للبرد او الحر والمرض والعطش، الى تدمير مؤسساتها العامة، وصولا الى التعدي على مؤسساتها الكنسية.

هذا النوع الجديد من التعدي على الكنيسة، ماذا نسميه؟ هل علينا ان نجترح اسماً جديداً لإبادة من نوع جديد؟

Previous
Previous

فيديو - قديس اليوم 22 آب/ أغسطس: القديس الشهيد أغاثونيكوس (القرن 3/4م)

Next
Next

فيديو - بيان صادر عن مجلس كنائس الشرق الأوسط حول