استنيري يا شام...من حلب

English

البروفسور ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

للسنة الرابعة على التوالي، تقيم مطرانية حلب والاسكندرون وتوابعها فعاليات "نور من حلب" وهو برنامج ديني-ثقافي-اجتماعي يتطرق الى نواح عديدة من حياتنا الايمانية والاجتماعية والثقافية، ويُختتم بلقاء وطني عام يجمع كل فعاليات المدينة وبلاد الشام في مهرجان فني ثقافي عام يؤكد وحدة الوطن والمجتمع.

لتأسيس وإطلاق هذه الفعالية قصة طويلة يرويها راعي الأبرشية، سيادة المتروبوليت افرام معلولي، اذ يعتبر ان جذور وفكرة هذه الفعالية أتت من سلفه، سيادة المتروبوليت بولس يازجي، المغيب منذ عقد ونصف تقريبا مع صديقه وزميله سيادة المطران يوحنا إبراهيم، وقد جعل مجلس كنائس الشرق الأوسط يوم تغييبهم يوما مسكونيا للمخطوفين والمغيبين قسرا، وهذا يشمل جميع من هم ضحايا الاخفاء القسري الذي استشرى خلال الحرب التي ضربت بلاد الشام خلال العقدين الماضيين. كما يذكر سيادته ان التشجيع على السير بهذه الفعالية قد وجد زخمه الحاسم من غبطة البطريرك يوحنا العاشر، الكلي الطوبى.

ما يهمنا في هذه المقالة هو ان نضيء على النواحي الإيجابية في استمرار هذه الفعالية واطلاقها أيضا في السنة الحالية، دون أي تغيير في بنية البرنامج ولا في مداه.

ان إطلاق فعاليات "نور من حلب" يجري في السنة الحالية، حيث تعيش الشام، الجمهورية العربية السورية، مخاضا سياسيا جذريا، نتج عن تغيير النظام السياسي والفريق الحاكم، وقد ترافق ذلك مع اضطرابات واحداث من الطبيعي حصولها عند تغيير الدول، حيث ينصحنا القول الشعبي ان "نحفظ رؤوسنا" عند حصول هذا التغيير، لان في كل تحول سياسي احداث جسام قد تولد ضحايا وخسائر، كما علّمنا التاريخ.

ان تُطلق فعاليات "نور من حلب" يعني ان إرادة البقاء واستمرار الحياة ما زالت قوية لدى الشعب في بلاد الشام، وقد اتى الرد هذه المرة من مطرانية مسيحية تشمل حلب واللواء السليب، وقد يأتي لاحقا من مؤسسات إسلامية، او اجتماعية، وكل ذلك يشكل تعبيرا صارخا عن ضرورة استمرار الحياة الاجتماعية العادية بكل ابعادها، بغض النظر عن التحولات السياسية التي تعيشها البلاد. لا بل أكثر، يشكل إطلاق الفعالية عنصر احترام للدولة الإسلامية الناشئة في سورية، اذ يؤشر ذلك الى إمكانية إقامة نشاطات، مسيحية الخلفية، ووطنية المرمى، في كنفها.

البعد الثاني الذي يهمنا الإضاءة عليه، عبر تحليلنا لإطلاق الفعالية، هو عنصر الوحدة الوطنية في سورية-الشام، اذ تجمع هذه الفعالية، كما شهدت ذلك عندما شاركت فيها السنة الماضية، كافة مكونات المجتمع الحلبي والسوري عامة. لقد شهدتُ جوا رائعا من الالفة والوئام، وهذا امر مشهود له عند شعبنا في سورية-الشام.

يشكل إطلاق فعاليات "نور من حلب" صرخة في وجه اليأس والإحباط الذين يصيبون كل شعب عندما يعيش تحولات كبرى في السياسة، وهي عادة تترافق مع عمليات عسكرية، وريبة تجاه المستقبل. هذه الصرخة توقظ في نفوسنا الطاقة على التطلع الى المستقبل، فيحرك الامل فينا القدرات والمعنويات التي تقود الى غد أفضل.

ان عدم إطلاق هذه الفعاليات، لو حصل لا سمح الله، لكان شكل خذلانا للشعب في حلب ومحيطها، على الأقل، ولكان اُعتبر مؤشراً على توقف الحياة هناك، بينما جميعنا يعرف ان شعبنا في الشام صلب الإرادة ويتمتع بحيوية عالية جعلت ان تنعم بلاده باكتفاء ذاتي اقتصادي ووفرة لفترة طويلة من الزمن.

في ختام هذه المقالة، نناشد كل المؤسسات المتواجدة على ارض الشام، دينية كانت ام اجتماعية، ان تتابع نشاطاتها المعتادة وتستمر بها، إيذانا بان ارادة الحياة اقوى من الاضطرابات التي تضرب البلاد، والتي لا بد ان تزول في القريب العاجل.

في نفس السياق، نناشد، لا بل نطلب من مؤسسات الدولة، ورغم المهام الجسام الملقاة على عاتقها، تأمين كل التسهيلات التي تؤول الى تنفيذ هذه الأنشطة، لان في ذلك اثبات لقدرتها على صون الامن وخصوصا الحريات، التي كفلها الدين الحنيف قبل المواثيق الدولية بأزمنة.

تشكل الدولة ذات العقيدة ضمانة للمجتمع الذي تدير شؤونه، على ان يجري احترام وتطبيق تعاليم هذه العقيدة على جميع المواطنين، سواسية، تأمينا للعدل الذي هو أساس الملك، وصونا للكرامات التي من دونها ينتفي معنى الحياة.

Previous
Previous

مجلس كنائس الشرق الأوسط يصدر نشرته الأسبوعيّة

Next
Next

منسقة برامج الحوار والتماسك الاجتماعي وتأهيل الكرامة الانسانية في مجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور لور أبي خليل