شهداء المحبّة والإيمان في القرن الحادي والعشرين
قداسة البابا لاوُن الرابع عشر يحيي ذكراهم في احتفال مسكوني: "كثيرون من الإخوة والأخوات اليوم... يحملون صليب الربّ ذاته: فهم مثله يُضطهدون، يُدانون، ويُقتلون"
الصورة: Vatican Media.
إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
شهود المسيحيّة وخدّام الإنسانيّة... إنّهم بالحقيقة شهود الإيمان والرجاء... كلّلهم ملكوت الله شهودًا ليسوع المسيح بعد رحلة آلام أرضيّة مُفعمة بفرح سماوي. حملوا راية الكنيسة وانتقلوا كرسل للمسيح ليبشّروا بإسمه في كلّ أنحاء المسكونة رغم كلّ التحدّيات والمصاعب والمشقّات الّتي أحاطت بهم.
الملائكة تتهلّل بهم وأبناء البيعة يرفعون صلواتهم إكرامًا لجميع شهداء الربّ الّذين بذلوا جهودهم من دون كلل وملل ناشرين قيم المحبّة والأخوّة وراجين السلام والطمأنينة والاستقرار في العالم أجمع.
شهداء الكنيسة احتفل بهم الفاتيكان يوم الأحد 14 أيلول/ سبتمبر، تزامنًا مع عيد الصليب، في احتفال مسكوني إحياء لذكرى شهداء وشهود الإيمان في القرن الحادي والعشرين. لقاء ليتورجي ترأّسه قداسة البابا لاوُن الرابع عشر بمشاركة ممثّلين عن الكنائس الأرثوذكسيّة والكنائس الشرقيّة القديمة والجماعات الكنسيّة والمنظّمات المسكونيّة.
في الواقع، شكّل الاحتفال واحة صلاة روحيّة ووقفة مسكونيّة تدعو إلى تجديد الشكر على عطيّة الشهادة الّتي ما زالت مستمرّة حتّى اليوم.
لكن من هم شهداء وشهود الإيمان في القرن الحادي والعشرين؟ وكيف تمّ الإعتراف بهم؟
شهداء رجاء من حول العالم
كانت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي قد أعلنت خلال مؤتمر مخصّص للجنة الشهداء الجدد – شهود الإيمان أنّه حوالي 1700 هم شهداء وشهود الإيمان في القرن الحادي والعشرين الّذين تم الاعتراف بهم من قبل هذه اللّجنة الّتي أنشأها قداسة البابا فرنسيس الراحل عام 2023 لدى دائرة دعاوى القدّيسين.
علمًا أنّ هؤلاء الشهداء قد تركوا بصمات إيمانيّة كثيرة في قارات العالم أجمع، شاهدين للربّ يسوع ومبشّرين بتعاليمه. وبحسب معطيات المؤتمر الّذي عُقد في 7 أيلول/ سبتمبر، أشار أندريا ريكاردي، مؤسّس جماعة سانت إيجيديو ونائب رئيس اللّجنة المؤلّفة من أحد عشر عضوًا، إلى أنّه "بلغ عدد الشهداء 304 شهيد من القارة الأميركيّة، 43 من أوروبا قُتلوا في القارة العجوز، 110 آخرون سقطوا خلال مهام تبشيريّة حول العالم، و277 من الشرق الأوسط والمغرب العربي، و357 من آسيا وأوقيانيا، و643 من أفريقيا.
في هذا السياق، أوضح المؤتمر أنّ قصص الشهداء الّتي تمّت دراستها جاءت من مختلف العائلات الكنسيّة والأبرشيّات ومجالس الأساقفة والرهبانيّات والمؤسّسات الكنسيّة من حول العالم. وهي قصص توثّق الاضطهاد الديني، وعنف المنظّمات الإجرامية، واستغلال الموارد الطبيعيّة، والاعتداءات الإرهابيّة، والنزاعات العرقيّة، وأسباب أخرى تجعل المسيحيّين يُقتلون حتّى اليوم.
شهداء إيمان ومحبّة
على الرغم من كلّ الآلام الّتي تعرّضوا لها، تمكّن شهداء الربّ من تعميق إيمانهم ونقله إلى جميع سكّان الأرض برجاء ومحبّة كبيرين، وهذا ما أكّده قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في احتفال ذكرى شهداء وشهود الإيمان في القرن الحادي والعشرين الّذي ترأّسه في بازيليك القدّيس بولس خارج الأسوار.
وقال في عظته: "كثيرون من الإخوة والأخوات اليوم أيضًا، بسبب شهادتهم للإيمان في ظروف قاسية وسياقات عدائية، يحملون صليب الربّ ذاته: فهم مثله يُضطهدون، يُدانون، ويُقتلون. رجاؤهم هو رجاء أعزل. لقد شهدوا للإيمان بدون أن يستخدموا سلاح القوّة أو العنف، بل عانقوا قوّة الإنجيل الوديعة والضعيفة".
وعن قوّة المحبّة تحدّث الحبر الأعظم مشدّدًا على أنّ "الشهادة حتّى الموت هي أعمق أشكال الشركة مع المسيح الّذي سفك دمه، وبهذه الذبيحة يجعل قريبين أولئك الّذين كانوا في الماضي بعيدين. واليوم أيضًا يمكننا أن نكرّر مع القدّيس يوحنّا بولس الثاني أنّه حيثما بدا أنّ الكراهية تتغلغل في كلّ جوانب الحياة، أظهر هؤلاء الخدّام الشجعان للإنجيل، شهداء الإيمان، بشكل جليّ أنّ المحبّة هي أقوى من الموت...".
كما عبّر قداسته عن مدى أهميّة الشهادة وسط عالم منغسم بالصراعات والحروب مشيرًا إلى أنّه "خلال السنة اليوبيليّة، نحتفل برجاء شهود الإيمان الشجعان هؤلاء. إنّه رجاء مملوء بالخلود، لأنّ شهادتهم تواصل نشر الإنجيل في عالم مطبوع بالكراهيّة والعنف والحرب؛ رجاء مملوء بالخلود، لأنّهم وإن قُتلوا في الجسد، إلا أنّ لا أحد يمكنه أن يُسكت صوتهم أو يمحو المحبّة التي قدّموها؛ رجاء مملوء بالخلود، لأنّ شهادتهم تبقى نبوءة لانتصار الخير على الشرّ...".
ومع رجاء الشهداء وإيمانهم الراسخ بمحبّة الله، يبقى مسار حياتهم بصيص نور وسط كلّ ظلمات الحياة ويبقى إصرارهم على مواصلة خدمتهم في حقل الربّ علامة انتصار وحكمة وتقوى، فمستحقّين حياتهم الأبديّة المتوّجة بالقداسة وبركات الربّ!