في ذكرى دخول العائلة المقدّسة إلى مصر
من الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة إلى كلّ العالم
هل تعلم في أي مناطق مرّت هذه العائلة؟
إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
"إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ..." (متّى 13:2)، بهذه الآية كشف الإنجيليّ متّى في إصحاحه الثّاني لجوء العائلة المقدّسة إلى أرض مصر وبالتّحديد هروبها إلى هذا البلد المشرقيّ الّذي له مكانة خاصّة في التاريخ والجغرافيا والحضارة، على حدّ تعبير قداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثاني. لكن لماذا الهروب هذا؟ وما هي المحطّات الّتي مرّت بها العائلة؟
يذكر الإنجيليّ متّى سبب هروب يسوع إلى مصر في الإصحاح نفسه والآية عينها بقوله "هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ" (متّى 13:2). هذا الصبيّ الّذي كاد أن يكون مصيره كسائر أطفال بيت لحم الّذين قتلهم هيرودس الملك بعد فشله في القضاء على يسوع عن طريق الماجوس، حيث "أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ" (متّى 12:2).
لذا أطاع يوسف الملاك الّذي ظهر عليه وأخذ عائلته هربًا من بطش هيرودس إلى أرض مصر، على الرّغم من مشقّات السّفر ومخاطره آنذاك؛ ليصبح دخول العائلة المقدّسة إلى هذه البلاد عيدًا سيّديًّا تحتفل به الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة بالطقس الفرايحي في 24 من شهر بشنس بالتقويم المصري أيّ الأوّل من حزيران/ يونيو من كلّ سنة، حيث تمّ بدء الإحتفال به في القرون الأولى الميلاديّة.
بالعودة إلى رحلة مصر، لا بدّ من الإشارة إلى أنّها استغرقت ثلاث أعوام ونصف العام لتمتدّ في مناطق عدّة مكثت فيها العائلة المقدسّة، أيّ يسوع الّذي كان يبلغ حينها عامين، والدته مريم العذراء وأباه يوسف النجّار؛ لتكون المرّة الوحيدة الّتي يخرج فيها يسوع من فلسطين طيلة حياته الّتي بلغت 33 عامًا، حيث تعود ذكرى دخول العائلة المقدّسة إلى مصر إلى أكثر من ألفي عام.
أمّا أبرز المحطّات الرئيسة الّتي توقّفت عندها العائلة المقدّسة في مصر فوردت للمرّة الأولى في مخطوطة "الميمر"، وهي كلمة سريانيّة تعني "السيرة"، الّتي قد أعدّها البطريرك الـ23 في كرسيّ الكرازة المرقسيّة في مصر قداسة البابا ثاؤفيلس ما بين 385 و412م. هذا الميمر موجود بثلاث مخطوطات باللّغة العربيّة، الأولى في مكتبة الفاتيكان، الثّانية في المكتبة الوطنيّة في باريس - فرنسا والثّالثة في دير السيّدة العذراء المحرق في مصر. كما تمّ رصد الرّحلة هذه في ميمر آخر من إعداد أسقف سخا قدس الأنبا زاخارياس وأسقف البهنسا قدس الأنبا قرياقوس.
إذًا، استُهلّت رحلة العائلة المقدّسة في "سيناء" وصولًا إلى "الفرما"، متّجهةً بالتّالي إلى ضيعة "تل بسطا" الّتي تقع قرب الزقازيق، وبسطا هي النّطق الهيروغليفي لكلمة "باستت"، وتعني بيت الإله، حيث شربت من عين ماء ليصبح ماؤها شافيًا لكلّ الأمراض. بعدها ذهبت إلى "بلبيس" وارتاحت هناك السيّدة العذراء تحت شجرة، ومن ثمّ إلى "منية جناح" أو "منية سمنود" حاليًّا. منها انتقلت عبر البحر إلى "سمنود"، ومن ثمّ إلى "البرلس".
بعدها اتّجهت العائلة المقدّسة إلى "سخا إيسوس"، أيّ مدينة "سخا" في محافظة كفر الشيخ، شمال مصر، حيث يُقال في التقليد أنّه انطبعت دعسة رجل يسوع المسيح على حجر؛ لذا عُرفت المنطقة باسم "سخا إيسوس" أي كعب يسوع باللّغة القبطيّة. ثمّ انتقلت غربًا إلى "وادي النطرون" حيث تمّ تأسيس مركز تجمّع رهبانيّ يحمل إسم "برية شيهيت" ليكون المهد الأوّل للرّهبانيّة في العالم. منها إلى "عين شمس" أو "أون" المعروفة بـ"هليوبوليس" حيث اغتسلت العائلة من عين ماء الّتي أصبحت بالتّالي مباركة ومقدّسة. وقرب العين هذه نمت شجرة بلسم يُصنع من دهنها الميرون المقدّس لتكريس الكنائس وأوانيها.
تابعت العائلة المقدّسة طريقها وعاشت أيضًا فترة من رحلتها في مصر القديمة في مغارة أصبحت اليوم "كنيسة أبي سرجة"، لتنتقل إلى "المعادي" ومنها جنوبًا إلى "البهنسا" أي "بني سويف" حاليًّا، وإلى محافظة المنيا. من ثمّ عبرت نهر النيل متّجهة إلى الضفّة الشّرقيّة حيث يقع جبل الكفّ الّذي انطبع فيه كفّ المسيح في قرية دير العذراء بـ"سمالوط"، وبالتّالي إلى الأشمونيين في مدينة ملوي.
في أسيوط، أمضت العائلة المقدّسة 6 أشهر وهي من أطول الفترات الّتي قضتها في المناطق المصريّة، حيث زارت مدينة "فيليس" أي "ديروط الشريف" اليوم، متّجهةً بعدها إلى "القوصية"، من ثمّ إلى "ميرة"، وجبل "قسقام" حيث يقع دير السيّدة العذراء المعروف بالمحرق.
وعقب موت هيرودس الملك عادت العائلة المقدّسة إلى فلسطين بعد أن ظهر ملاك الربّ ليوسف مجدّدًا في الحلم قائلًا "قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ" (متّى 20:2). وبذلك تتحقّق نبوءة العهد القديم "مبارك شعبي مصر" المذكورة في سفر أشعيا 19: 25.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى تواريخ سابقة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه تمّ في العام 2018 إدراج مسار العائلة المقدّسة في قائمة الزيارات الفاتيكانيّة الرسميّة. وفي حزيران/ يونيو من العام نفسه توجّه أوّل وفد حجّ رسميّ من الفاتيكان إلى مصر ضمّ 52 شخصيّة، حيث استغرقت الزيارة 5 أيّام، وذلك عقب استقبال مصر حجّاج مسيحيّين غير رسميّين من الهند والفليبّين.
مع دخول العائلة المقدّسة إلى أرض مصر، قد تباركت مصر بها كلّها فتُقام سنويًّا وللمناسبة قداديس عديدة واحتفالات مختلفة إحياء لهذه الذكرى المقدّسة.