حدث في كازاخستان
البروفسور ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
حدث في كازاخستان، ان قوما قرروا إقامة دولة تحترم المعتقدات والقوانين وحقوق الانسان، فكانت دولة كازاخستان،
حدث في كازاخستان، ان شعبا مكونا من مئة وعشرين مجموعة دينية واثنية قرر ان يكون شعباً واحداً، فاعتنق العقد الاجتماعي وسلم مصيره ومستقبله للمؤسسات، الضمان الوحيد للشعوب في عصر الحداثة،
حدث في كازاخستان، ان امة وعت ماضيها، وفهمته، فتصالحت معه، وتعلمت من عبره، وجعلته سندا لمستقبلها، تنهل منه قيما ومحفزات لحياة أفضل،
حدث في كازاخستان، ان شعبا أراد نقل تجربته الى العالم، في هاجس عنده للتقارب بين الناس، والمعتقدات، والهويات، والانتماءات، من اجل مستقبل للبشرية غير محفوف بمخاطر النزاعات المدمرة والتي لا طائل منها،
حدث في كازاخستان، ان النزعة نحو مشاركة الإنسانية بنتائج التجارب الاجتماعية، والثقافية، كانت قوية لدرجة انها فاضت خارج حدود البلاد، وذهبت بها نحو العالمية،
حدث في كازاخستان، ان دولة المؤسسات الفاعلة ارادت مأسسة تجربتها من اجل تعميمها على العالم، فكان مؤتمر لقادة الأديان العالمية والتقليدية في نسخته الثامنة، في عامنا الحالي،
والمأسسة هي ضمانة الديمومة والاستمرار، بناء على خبرة دولة المؤسسات الناجحة،
في كازاخستان، وترجمتها ارض الاحرار، اجتمع، بدعوة من اعلى سلطة في البلاد، مئة وخمسون من قادة الأديان في العالم، من اجل التأكيد على ثابتة إنسانية لا جدل حول جدواها، الحوار.
كان المؤتمر الثامن بعنوان "حوار الأديان، تأزر من اجل المستقبل"، وكانت محاوره تحاكي مشاكل المعتقدات الدينية في زمن الحداثة، الذي يتميز بالهجرات العالمية وحركات النزوح، إضافة الى احتلال العالم الرقمي الحيز الأكبر من ثقافتنا.
في البداية كان يوم حول حماية المواقع الدينية، بالاشتراك مع اتحاد الأمم المتحدة للحضارات، حيث عبّر والتزم قادة الأديان في العالم، بضرورة حماية كافة المواقع الدينية، دون استثناء ودون تحفظ، في إشارة واضحة الى انتفاء النزعة الالغائية لدي أي من معتنقي أي معتقد في العالم نحو معتنقي الدين الأخر،
تلا ذلك افتتاح للمؤتمر في جلسة عامة اخذت طوال اليوم الثاني، حيث ادلى المشاركون بدلوهم، من ضمن التوجه الذي اعتمد خلال الدورات السابقة لهذا المؤتمر المبارك،
ثم عقدت الجلسات المتخصصة، وكانت مواضيعها جيدة التحديد والتحضير، تعاطت مع شؤون تخص الإنسانية في الصميم، مثل دور الأديان في التماسك الإنساني، ودور الأديان في التنمية العالمية المستدامة، والقيم الروحية في الزمن الرقمي والذكاء الاصطناعي، والايمان ضد التطرف، أي قدرة بناء السلام في الأديان. اما الشباب فقد كان لهم حصة وافرة من النقاش، حيث خصصت حلقة خاصة للقيادات الدينية الشبابية حول دور الشباب في التعايش السلمي والتأزر للمستقبل.
اما التوصيات فقد جاءت على قدر التوقعات، كما أتت أيضا على مستوى تحديات المرحلة، تلتها كلمات ختامية.
لن نتوقف في هذه المقالة حول عنصرين أساسيين طبعا هذا المؤتمر، الحفاوة والتنظيم، فالعنصر الأول بديهي بالنسبة الى الشعب الكازاخستاني الطيب والودود، اما العنصر الثاني، فهو بديهي بالنسبة الى الدولة الكازاخستانية الجيدة التنظيم والاداء.
حدث في كازاخستان، ان اجتمع أناس واقوام واديان لم يكن من البديهي لقاؤهم لو لم تقم دولة نيرة بهذه المبادرة، جماعات دينية واثنية وغيرها، هي في غربة عن بعضها البعض، اما بسبب تباعد المعتقدات، او بسبب بعد المسافات.
حدث في كازاخستان، ان تقريب الناس من بعضها البعض يحاكي ما ورد على لسان السيد المسيح في عظته على الجبل ان "طوبى لصانعي السلام، فانهم أبناء الله يدعون".