القس هوفانس اهارونيان، مُحَيّا مسكوني مشع
ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس هذه الكلمة في افتتاح "قاعة اهارونيان"، في جامعة هايكازيان - لبنان، يوم السبت 27 أيلول/ سبتمبر 2025.
البروفسور ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
انه لشكل من اشكال العرفان بالجميل ان تعمد الشعوب والجماعات الى تكريم قياداتها، بانيّ مؤسساتها، ومعبدي طرق جديدة لحياتها.
هذا التكريم لا يكون فقط من باب الامتنان، بل تكون له وظيفة إضافية تتمثل بتحويل المُكرّم الى مثل وقدوة تقتفي الناس أثره في الاعمال التي انجزها والعبر التي عممها على مجتمع يحتاج ان ترفده النخب الراقية بكل ما هو بناء وايجابي.
نحن اليوم بصدد افتتاح قاعة على اسم القس هوفانس اهارونيان، القائد في كنيسة المسيح، والقائد في التربية، والمقدام في الحركة المسكونية.
هو اول رئيس لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الانجيلية، وهو بذلك، حكما، من الرؤيويين الذين اسسوا المجلس، معقل الحركة المسكونية في الشرق الأوسط، والذين وضعوا الرؤية الأساسية لهذا المجلس، الذي أصبح في سنته الواحدة بعد الخمسين.
لقد ترأس القس الوقور الطيب هوفانس اهارونيان مجلس كنائس الشرق الأوسط منذ تأسيسه سنة 1974 حتى سنة 1985، وكانت هذه الفترة الأكثر حاملة للتحديات بفعل انتقال المجلس من هويته الأولى، أي مجلس كنائس الشرق الأدنى، والذي كان يضم حصرا عائلة الكنائس الانجيلية، الى هويته الجديدة، مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي ضم العائلتين الأرثوذوكسيتين، الخلقيدونية وغير الخلقيدونية.
لقد رافق هذا القائد المسكوني الرؤيوي تكوين المجلس في منحاه الجديد، المنحى المسكوني، الذي يتطلب بعد نظر، وسعة صدر، وقدرة عالية على الحوار وتقبل فوارق اللاهوت والليتورجيا، واحياناً، التباين في النظرة الى الحياة. انه بذلك ثبت مسكونية المجلس ورسخ صدق الدعوة المسكونية التي طبعت تصرف الكنائس الانجيلية في المجلس، رغم السهام التي وجهت اليها في مسيرتها المسكونية.
لم تحل انجيليته الأرمنية التي كان راسخا فيها، دون الانفتاح على كل كنيسة المسيح ووضع الخطة المسكونية الاستراتيجية المتمثلة بمجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي اظهر حيوية عالية وقدرة على التطور حيث انتمت اليه لاحقا العائلة الكاثوليكية، وحيث لا زال فاعلا في شتى المجلات.
أقول انه كان راسخا في انجيليته الأرمنية، وفي ذهني كل ما قام به من ابحاث وتنمية وتقدم لمصلحة رابطة الكنائس الأرمنية الانجيلية، هذه الرابطة المزدهرة والكثيرة التأثير في مجالات لا تعد ولا تحصى، أهمها التربوي والاجتماعي والاستشفائي. لن ادخل في تفاصيل ذلك اذ لا بد ان يتطرق متكلمون اُخر الى ذلك.
هذا الانتماء الراسخ في كنيسته تجسد في مساهمته في تأسيس صرحين تربويين وازنين، جامعة هايكازيان وكلية اللاهوت للشرق الأدنى، التي كان رئيسها، ترافق ذلك مع عضويته في اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي، المؤشر الاولي للانفتاح المسكوني للقس اهارونيان.
هنا، لا بد لنا من التوقف امام رابطة الكنائس الأرمنية الانجيلية، لكي نؤكد ان حضور الكنيسة يكون عبر الدور، والخدمة، والتأثير، مهما كان الحجم العددي للكنيسة، لان ملح الأرض، كما أراده السيد المتجسد، قليل منه يجود الطعام ويحفظه. ان رابطة الكنائس الأرمنية الانجيلية، في مكنوناتها وفعلها، تشكل الدليل القاطع على ان الأساس يكمن في كيف يكون دورك في ان "تكون لهم حياة أفضل"، هؤلاء الذين تجسد السيد من اجلهم.
لقد رافقت القس البشوش الهادئ، هوفانس اهارونيان، لمدة ثلاثة سنوات وكنت في بدايات خدمتي في المجلس، وبدايات عملي المسكوني، فوجدت فيه الاب الصالح، المحب، الهادئ، الذي يتفهم الأمور ويعالجها بالروية والحكمة، الضروري توفرهم عند القادة. لقد كان ملفتا للنظر كم كان عميق التفكير، يتعامل بدقة مع الأمور المطروحة ويدخل في التفاصيل لكي يتأكد ان كل شيء قد تم بالطريقة الفضلى.
إني، اذا اتذكره اليوم، لا تغيب عن بالي زوجته المحبة الصالحة التي رافقته طيلة مسيرته الكنسية والمسكونية. طيب الله ثراهما.
نحن، اذ نكرمه اليوم، نقول له بورك عقلك ويراعك أيها الخادم الأمين، الذي دخلت حقل الرب بوزنات معدودات، وغادرت هذه الفانية وقد تركت وراءك وزنات لا تعد ولا تحصى، وسوف تكون مفاعيلها لأجيال عديدة الى الامام. ولأنك مرجع أساس في بنياننا الاجتماعي في الشرق الأوسط، فقد وضعت احجار أساس كثيرة لإنجازات وابداعات قد أصبحت جزءا أساسيا من تاريخنا، ودعما أساسيا لمستقبلنا.
في نهاية كلمتي، لا بد لي ان اثني على ما تقوم به اسرته وكنيسته من أنشطة وجهود، وأقول لهؤلاء، واولهم نجله والقس بول هايدوستيان، رئيس المجلس عن العائلة الانجيلية، من ثمارهم تعرفونهم، فبوركتم وبوركت عقولكم وسواعدكم، اذ تشكلون قدوة متجددة على غرار القس اهارونيان.
انكم تبرون بتعاليم السيد في كل ما تعملون.