رسالة الى أسقف روما

قداسة البابا لاوون الرابع عشر

English

البروفسور ميشال عبس

امين عام مجلس كنائس الشرق الاوسط

 

أيها الاب الاقدس،

اكتب اليك انت المؤتمن على كرسي بطرس، لكي احكي لك قصة ايمان ووطن.

اكتب اليك من ارض القداسة، من لبنان، من ارض كنعان، من المشرق الانطاكي، حيث تجسدت الرسالة، ومن حيث انطلق بولس وبطرس يكرزون بالعالم، ومن وادي النيل حيث لجأت عائلة التجسد، وحيث جلس مرقس يكرز لقارة بكاملها.

أكتب اليك من بيروت، مدينة التفاعل والنور، التي زلزلها ودمر جزءا منها الإهمال والتآمر، والتي لم ينصف أهلها بعد،

اكتب اليك من ارض القدس، ارض ملكي صادق، ارض الخمر والخمير، أرض اللبن والعسل، ارض الخصب، خصب الروح قبل خصب المادة، حيث تجسد السيد الذي لا فناء لملكه، شمس العدل، مظهر النور، وفادي الخليقة التي تصر على النزول الى قعر الجحيم عند كل منعطف تاريخي،

اكتب اليك من حيث دعي المسيحيون أولا، في انطاكيا، وحيث شهد الناس مجازر وتهجير، فاستحقت ان تدعى ارض كل شبر بشهيد،

على مسافة ليست ببعيدة، رجم الشهيد الأول في المسيحية، وفي كل بقعة من بقاع هذه المنطقة، سفك دم الشهداء، لذلك دعيت ارضي ارض الشهداء والقديسين.

في بلادنا، لبنان، العزيز على قلبك، درة الشرقين، الذي وفدت اليه عند اول مغادرة لك للكرسي المقدس، نعيش التاريخ والآلام والمعاناة، منذ قرون. بلادنا ممزقة، تشحذ الاستقرار والامن والازدهار، فيأتوها فتاتا، وشعبنا يهاجر، مشرِّدا نفسه طوعا، في كل اصقاع الارض.

المسيحيون يهاجرون، هكذا نقول، وقد تراجعت وجودهم بشكل ملموس، وهم يستعيضون عن هذا الانهيار في الكم، بتجويد الخدمة للمجتمع المكون من جميع اخوتهم في الوطن والإنسانية، متنكبين دوراً مفصليا وحاسما في حياة اوطانهم.

الهجرة لم تعد تقتصر على المسيحيين فقط، بل طالت كل فئات المجتمع، نتيجة التراجع الذي تلحظه البلاد على كافة الصعد، من الأمني، الى السياسي، الى الاقتصادي، الى النفسي، الى الكرامة الإنسانية.

الريبة تعم مجتمعنا، وترافقنا في حياتنا اليومية، محولة ايانا الى أناس شديدي القلق على المستقبل والمصير.

زيارتك أيها الاب الاقدس تحمل لنا معان تاريخية ورمزية عالية، اكان من حيث شكلها، ام من حيث مضمونها.

انت تأتي الى كل اللبنانيين، لكي تقول لهم أنتم جميعا واحدا في نظر الكرسي الرسولي، فلا تفرقوا، واشبكوا ايديكم فتتدنى اثقال الاحمال عليكم،

انت قادم الى بلاد مزقتها النزاعات الداخلية، وارهقتها التدخلات الخارجية، واضعفتها الانانيات الفردية الطاغية، ونخر قلبها الفساد،

انت أيها الاب الاقدس آت الى بلاد تعلم شعبها الصامد كيف يثبت في الملمات، وكيف يتكيف مع التحولات، وكيف يصنع من جمود العجز قوة للتغيير. شعبٌ، الابداع والابتكار والاقدام والجرأة من ميزاته الأساسية،

انت قادم الى بلاد تستطيع ان تصنع الازدهار تحت وطأة القتل اليومي التي تعيشه، ضريبة لتضامنها مع شعبنا في فلسطين، والشام، والعراق،

انت تأتي الى بلاد يعيش ابناءها وحدة حياة رغم تنوعهم الديني والعرقي والسياسي، مما لا يروق لكارهيها، فيرجمونها بالتآمر ويرمونها في آتون الفتن،

انت قادم الى بلاد تعتبر كونا مصغرا، يختصر الحضارة الإنسانية، وقد اسماه سلفك الوطن-الرسالة، لذلك، ما يصح فيه يصح في كل العالم،

هو من أصغر بلدان العالم حجما، اما فعله الرمزي والعملي فلا حدود له،

مجيئك الى لبنان، في زمن المجيء، سوف يطرح تحد على اللبنانيين ويقول لهم اتحدوا، كونوا قلبا وعقلا واحدا، احيوا حياة موحدة التطلعات والمصير، فيكون المستقبل لكم،

يعي اللبنانيون تماما أهمية ان تكون زيارتك هي الأولى خلال عهدك الى لبنان. لذلك سوف يبنون على هذا الامر مقتضاه، وسوف يتحملون مسؤولية هذه الزيارة،

اللبنانيون، على مختلف فئاتهم، ينظرون الى هذه الزيارة على انها علامة رجاء لمستقبل أفضل،

اما انت أيها الاب الاقدس، فإنك خلال حلك وترحالك في لبنان، وعبر ما سوف تقوم به من بركات، سوف تعطي إشارات لا بد على اللبنانيين من التقاطها،

فحوى رسالتك ان كونوا مثل حزمة العيدان، عصية على الكسر إذا كانت ذات روابط، وتكسر عودا، عودا إذا فك رباطها،

قدومك الى لبنان سوف تكون له مفاعيل على صعيد اللحمة بين اللبنانيين ومنع التصدعات ان تتسلل الى تماسكهم والى السلم الأهلي،

لقد جعلت من جميع اللبنانيين رعيتك،

طوبى لك يا صانع السلام، اذ إنك عبر السلام الذي سترسيه زيارتك في بلاد الأرز، وقف الرب، فإنك سوف تدفع اللبنانيين الى ان يكونوا ملحاً للأرض، يزرعون قيم حوار ومحبة بين اهل المعمورة، ينقلون إليهم تجربتهم في الوحدة في الحياة، ذات الفرادة التي تصلح ان تكون نموذجا يقتدى.

زيارتك القصيرة الى لبنان، التي خلالها يكثف الزمن، سوف تشكل منعطفا تاريخيا له في هذه المرحلة المصيرية، وسوف يخط لبنان والمنطقة هذه الزيارة بحروف من نور لا ينطفئ ومحبة لا تنضب.

Previous
Previous

مجلس كنائس الشرق الأوسط يصدر نشرته الأسبوعيّة

Next
Next

سيادة المطران مار متياس شارل لإعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط