عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في سجدة الصليب

تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في سجدة الصليب، يوم الاحد 18 نيسان/ أبريل 2025، في الصرح البطريركي في بكركي.


"هوذا عبدي الذي اعضده" (اشعيا 42 : 1).

1. نبؤة اشعيا هذه تنبّأ بها عن يسوع الذي خدمنا كعبدٍ، مخلصًا ايانا والبشرية جمعاء بآلامه وصلبه. وبهذا اظهر لنا محبته التي لا حدّ لها. رتبة دفن المسيح هي احتفال واقرار بمحبته اللامتناهية. انه العبد المتألم وهو ايضًا العبد المنتصر، كما تنبّأ اشعيا ايضًا : "هوذا عبدي يوفّق ويتعالى ويرتفع ويتسامى جدًا" (اشعيا 52 : 13). هو الإله خلّصنا بخدمته لنا. خلّصنا مجانًا لأنه أحبّنا اولًا. خدمنا ببذل حياته من اجلنا. حبّه حمله الى تقديم ذاته لأجلنا، حاملًا كل خطايانا وخطايا البشرية جمعاء. والآب عضده في تحمّل آلامه. الرب خدمنا حتى في تحمّل الأوضاع الأكثر ألماً بالنسبة الى من يحب، ونعني بها : الخيانة والتخلّي.

الخيانة

2. يسوع اختبر الخيانة من التلميذ الذي باعه بثلاثين من الفضّة، ومن التلميذ الذي خانه، ومن الشعب الذي حوّل الهوشعنا بإصلبه (متى 27 : 22)، ومن خيانة السلطة الدينية التي حكمت عليه بالصلب ظلمًا، ومن خيانة السلطة السياسية التي غسلت يديها. وهو الذي بادل بالحب. فكم كان مؤلماً على قلب الله الذي هو الحب حتى النهاية.

فلنلقِ نظرة على ذواتنا، فنجد الكثير من عدم الأمانة، الكثير من الازدواجية. فكم من نوايا حسنة خنّاها ؟ وكم من مقاصد صالحة خنّاها ؟ الرب يعرف قلوبنا احسن منا، ويعرف كم نحن ضعفاء وغير ثابتين. ويعرف كم مرة نسقط وبأي صعوبة ننهض، وكم يصعب علينا الشفاء من بعض الجراح.

لكن الرب يأتي لمعونة ضعفنا، ليشفينا من خياناتنا، كما وعد بلسان النبي هوشع: "انا اشفيهم من عدم امانتهم، واحبّهم بسخاء" (هوشع 14 : 5). لقد شفانا آخذاً خياناتنا، ومخلصنا منها. وهكذا نرفع نظرنا الى المصلوب ونقول : "هذه عدم أمانتي، انت أخذتها. وها انت يا يسوع تواصل خدمتك بمحبتي، وتعضدني، وأنا أسير الى الأمام".

التخلّي

3. وعاش يسوع التخلّي المرّ من الجميع، فصرخ من على صليبه :"الهي، الهي، لماذا تركتني؟" (متى 27 : 46). لقد تألم من تخلّي خاصته الذين هربوا. ولكن لم يبقَ له إلاّ ابوه. والآن من عميق وحدته، ولأول مرة يسميه "الهاً" لا "أبًا". ويصرخ اليه بصوت عظيم : "لماذا انت ايضًا تركتني؟". انهم بالحقيقة كلمات المزمور 22 : 1، اعتمدها يسوع للدلالة انه حمل بصلاته التخلّي الكبير. بل يبقى في الواقع انه اختبر التخلّي الأعظم الذي ذكره الإنجيليون بكلماته الأصلية.

لماذا كل هذا؟ مرةً ثانية نقول احتمل هذا التخلّي من اجلنا، من اجل خدمتنا. فعندما نشعر بتخلٍّ، نتذكر ان المسيح اختبر التخلّي الكامل لكي يكون متضامنًا معنا. فعل كل ذلك من اجلي، من اجلك، من اجلنا جميعًا، فعله ليقول لنا : "لا تخف، لست لوحدك. انا اختبرت كل هذا الألم لأكون دائمًا بقربك". هكذا خدمنا يسوع حتى احتماله الخيانة والتخلّي، ويقول لكل واحد منا : "تشجّع! افتح قلبك على حبّي، تشعر بتعزية الله الذي يعضدك".

المسيح خدمنا حتى اختبر الخيانة والتخلّي. نحن موجودون في هذا العالم لنحب الله والآخرين. فلا قيمة للحياة إن لم تكن للخدمة. ذلك ان الحياة تُقاس بالحب، كما ان المصلوب يُقاس بمحبة الله لنا. فلنسأل الله نعمة العيش من اجل الخدمة…


إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذا النصّ نشر على موقع البطريركيّة الانطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد اضغط هنا.

Previous
Previous

الإحتفال بالجمعة العظيمة برئاسة غبطة البطريرك ساكو في كاتدرائية مار يوسف ببغداد

Next
Next

‎قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني يحتفل رتبة غسل الأرجل - دمشق