عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي - أحد الشعانين

 بكركي – الاحد 28 آذار 2021



"إستقبل الشعب يسوع ملكًا بأغصان النخل"

1.كانت الجماهير من مختلف المناطق مجتمعة في أورشليم للإحتفال بعيد الفصح اليهوديّ الواقع يوم السبت التالي. فصعد يسوع أيضًا إلى العيد ليحتفل بالفصح الأخير مع تلاميذه، ويقيم فصحه الجديد الذي هو سرّ موته وقيامته لخلاص العالم وفداء البشريّة جمعاء. في الفصح الجديد يسوع هو الحمل الذي يُذبح ويؤكل في ليلة الإستعداد لمراسيم الفصح اليهوديّ فأسّس سرّ القربان الذي هو ذبيحة ذاته غير الدمويّة من جهة، مستبقًا ذبيحته الدمويّة في الغد، ومن جهة أخرى هو وليمة جسده ودمه للحياة الإلهيّة فينا.

2. إستقبله الشعب كبارًا وشبيبة وأولادًا بصورة عفويّة ونبويّةعفويّة لأنّ صيته أصبح مالئ أرضهم، وبخاصّة إنتشار خبر إحيائه مؤخّرًا لعازر من القبر بعد أربعة أيّام من موته؛ ونبويّة لأنّ الجمع إستقبله بأغصان النخل وأعلنه ملكًا عليه، هاتفين "هوشعنا يا ربّ خلّص، مبارك الآتي باسم الربّ ملكنا". وكان في ذهنيّة الشعب أنّ يسوع ملك زمنيّ يخلّصهم من السلطة الرومانيّة الوثنيّة المحتلّة لأرضهم، أرض يهوه أي أرض الله، ويحرّرهم من نير رؤسائهم الثقيل. لكنّ يسوع ليس ملكًا زمنيًّا، بل ملك من نوع آخر، "ومملكته ليست من هذا العالم" (يو 18: 36).

3. وقع الخلاف في النظرة إلى يسوع بين الشعب ورؤساء الدينيّين من فريّسيّين وكتبة ورؤساء كهنة الذين اعتبروه مناوئًا لهم، وعميلًا للرومان.

ففي الواقع، أظهر الشعب بعفويّته أنه يعرف يسوع على حقيقته أكثر من قادته، على ما يقول القديس أغسطينوس، ويشرح: "الغنى والسلطة يقضيان على المتعلّقين بهما. فالغنى يقود إلى خفّة العقل، لمن يعتقد أنَّ الغنى غاية لا وسيلة؛ والسلطة تقود إلى الطمع إذا مورست من أجل المصلحة الخاصّة لا الخير العام". جاء المسيح يعلن قوّة المحبّة التي تفوق قوّة المال والسلطة، وتعطيهما معنًى وروحًا.

في حركة الجمع نرى كيف أنّ الجمهور المحكوم سليم العقل والقلب، أمّا الحكّام ففاسدون. الجمهور آمن بيسوع، أمّا الحكّام فلم يؤمنوا. الجمهور مشى مع يسوع نحو سرّ موته وقيامته،. أمّا الحكّام فبدأوا يفكّرون بإهلاكه حسدًا وسخطًا "لأنّ العالم كلّه قد تبعه" (يو 12: 19). في قلب الجمهور سادت المحبّة للمسيح، أمّا في قلوب الحكّام فحقدٌ وحسدٌ وبغض.

4. صحّح يسوع النظرة، إذ دخل أورشليم وهو يمتطي جحشًا (يو 12: 14). لم يكن يمتلك هذا الجحش، ما يدلّ على ملوكيّته المتواضعة والفقيرة. لم يدخل على جواد ومركبة، بالبطش والقوّة، كالملوك الزمنيّين الذين غالبًا ما كانوا ظالمين وطمّاعين، ويخضعون شعوبهم بالحروب. يسوع الملك الجديد لم يدخل المدينة على رأس جيش، بل بالحبّ والسلام والطمأنة: "لا تخافي، يا ابنة صهيون! هوذا ملكك آتٍ راكبًا على جحش ابن آتان" (يو 12: 15)، بحسب نبوءة زكريّا (9:9).

"لا تخافي" كلام موجّه إلى كلّ شعب أورشليم، وبخاصّة إلى الذين رفضوه، وهم مصرّون على قتله. غفران الله ومحبّته ورحمته أكبر من خطاياكم ومن جميع خطايا البشر. هذا المسيح، ابن الله الملك يقول لأمّته: "لا تخافي" فدمي سيمحو خطاياكِ ويفتدي حياتك (القدّيس أغسطينوس).

بالمعموديّة والميرون أشركنا المسيح في ملوكيّته، وبحكم هذه المشاركة، نحن كمسيحيّين ملتزمون بروح التواضع والفقر والتجرّد، وبإعطاء عالمنا علامات رجاء وطمأنينة، وبإنتزاع الخوف من القلوب، وزرع الثقة فيها.

5. في رواية الحدث نجد لدى القدّيس متى كيف إغتاظ رؤساء الكهنة والكتبة من هتافات الأولاد "هوشعنا لإبن داود"، فأجابهم يسوع: " أما قرأتم في المزمور:من أفواه الأطفال والرّضع أعددت تسبيحًا؟" (متى 21: 15-16). وعندما طلب الرؤساء من يسوع أن يُسكت تلاميذه، أجابهم: "أقول لكم :" إن سكت هؤلاء صرخت الحجارة" (لو 19: 39-40).

فيا ليت المسؤولين السياسيّين عندنا، الممسكين بسلطان الحلّ والربط بشأن تأليف الحكومة، والبدء بالإصلاحات وعمليّة الإنقاذ الإقتصاديّ والماليّ، يسمعون لصوت الله الذي لا يسكت بل يبكّت ضمائرهم! ويا ليتهم يسمعون لصوت الشعب الذي لا يسكت وهو مصدر سلطتهم وشرعيّتهم، ويا ليتهم يسمعون صوت المليوني فقير من شعبنا الذين لا يسكتون عن حقّهم في كفاية العيش الكريم! ويا ليتهم يسمعون لصوت شبابنا الذين لا يسكتون مطالبين بمستقل لهم في الوطن لا في البلدان الغريبة!

6. لقد كان بمقدور الجماعةِ السياسيّة أن تغيّرَ نظرةَ الشعب إليها وتعوّم دورها، لو استيقظت على الواقع وعدّلت بسلوكها وعملت على إنقاذ لبنان، وخصوصًا بعد تفجير مرفأ بيروت. لكن معظم المسؤولين تمادوا في الخطأ والفشل واللامبالاة، حتى أن بعضهم أعطى الأولوية لمصالح دول أجنبية ولم يسألوا عن مصير الشعب الذي انتخبهم …

هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الانطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد اضغط هنا.

Previous
Previous

قداسة البابا فرنسيس يستلم رسالة شكر من غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو

Next
Next

غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يترأس الإحتفالات بالتطواف والمسيرة السنويّة التقليديّة والتاريخيّة في شوارع قره قوش (بغديده) يوم عيد الشعانين، العراق