تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا في عيد البشارة 2024 

تجدون في التّالي تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، في عيد البشارة 2024، الأحد 8 نيسان/ أبريل 2024، في الناصرة.

أَشَعْيا​ ٧: ١٠-١٤; 8:10; العِبرانيين ١٠: ٤-١٠; لوقا ١: ٢٦- ٣٨

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

ليكن سلام الرب معكم!

نحتفل هذا العام بعيد البشارة متأخرًا بعض الشيء، وذلك لتزامنه مع عيد الفصح. لكنها أيضًا نعمة من العناية الإلهية لفهم ما يريد الرب أن يقوله لنا. في الواقع، عادة ما نحتفل بهذا العيد خلال زمن الصوم، لكنه يصادف هذا العام عيد الفصح. نحن الآن في فترة الثمانية الفصحية، حيث أننا نحتفل بعيد الفصح وبقيامة المسيح على مدى ثمانية أيام. إن سر تجسد الله، الذي نحتفل به اليوم، يتحقق ملئه بقيامة المسيح. نحتفل اليوم بالحدثين الرئيسيين في تاريخ الخلاص والمرتبطين ببعضهما البعض: سرّ التجسد والقيامة!

يعيدنا إنجيل اليوم إلى سفر التكوين. نحن جميعا على دراية بسر الخلق. خلق الله الإنسان من أجل أن يكون الإنسان سعيدا وطلب منه أن يتمسك بإيمانه. لكن الإنسان فضل الاستماع إلى أصوات أخرى، صوت الشيطان الذي يبعد الإنسان عن الله ويجعله يعصي تعاليمه. وهكذا، عندما يبحث الله عن الإنسان في الجنة، لا يجده. وفي الكتاب المقدس، أول سؤال يسأهله الله هو "أين أنت؟" (سفر التكوين 3: 9). قبل الخطيئة، كانت هناك ألفة بين الله والإنسان. نزل الله ليتمشى في الجنة التي خلقها للإنسان (تكوين 3: 8). وهكذا كانت الألفة في ذلك الزمان. لكن الخطيئة قطعت هذه العلاقة. لم يعد الله يجد الإنسان، بل يختبئ الإنسان لأنه خائف ("إِنِّي سَمِعتُ وَقْعَ خُطاكَ في الجَنَّة فخِفْتُ لأَنِّي عُرْيانٌ فاَختبأتُ" سفر التكوين 3: 10). لم يعد هناك ثقة.

يستمر تاريخ الخلاص بالاستمرار بالعلاقة مع الرب، والسعي نحو إعادة الثقة، والوفاء بالعهد، لبناء تلك الألفة معه.

إنجيل اليوم هو استجابة لهذه الرغبة في الألفة. لم تختبئ مريم مثل آدم وحواء في الجنة، بل تدخل في حوار مع الله. عندما يدعوها الله، لا تبدي الخوف. بالتأكيد شعرت بالارتباك والقلق، لأنها تشعر بثقل هذا التفاوت بينها وبين الله. لكن هذا لا يمنعها من الاستماع إليه. من وجهة نظر الإنسان، ينطوي طلب الله على الكثير من المشاكل: من كان بإمكانه فهم مثل هذا السر؟ إذا كان يوسف سيرفضها، لكانت هناك فضيحة ... كان هناك العديد من الأسباب الاجتماعية والعائلية لرفض هذا الطلب.

أما مريم فهي مقتنعة بحقيقة ما يقوله الله، وهو ببساطة ألا تخاف: "لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله" (لوقا 1: 30). وكما أن الخوف هو ثمرة الخطيئة، فإن الثقة هي ثمرة النعمة. هذا هو الشيء الجديد، الخليقة الجديدة التي يحققها الله في مريم، امرأة قادرة على الثقة بالله.

لذلك تقول مريم "نعم" لكونها ما خلق الإنسان من أجله في البداية، مكانا للكلمة، أرضًا تقبل كلمة الله.

يخبرنا احتفال اليوم أن هذا الانتقال من الخوف إلى الثقة، من الوحدة إلى الانتماء، ممكن بالنعمة. هذا لا يحدث بسبب أي جهد يبذله الإنسان، ولا يمكنه أن ينجح وحده في إعادة تأسيس علاقة سليمة مع الله، ولكن لأن الله نفسه يختار خليقة ويجعلها قادرة مرة أخرى على تكوين علاقة كاملة خالية من عواقب الخطيئة. وذلك لأنها تثق بالله.

سيكمل يسوع من خلال عيد الفصح العمل الذي بدأ بـقول مريم "نعم". من خلال طاعته للآب، يعيد تجديد الخليقة مرة واحدة وإلى الأبد ويمنح العالم حياة جديدة. يحدثنا إنجيل اليوم عن القول "نعم" للتحلي بالإيمان والثقة حتى فيما يبدو مستحيلا إنسانيًا، والإصغاء على الرغم من الخوف البشري، وعن الخضوع دون خوف للحياة حتى عندما تخلق مشاكل من جميع الأنواع.

هذه توجيهات مهمة لنا جميعا في الحياة وخاصة في هذا الوقت حيث الثقة هي الضحية الرئيسية لهذه الحرب. تعلمنا مريم أن نقول "نعم" بثقة خاضعة لما هو آت، لأنها تثق بالله. لن يكون الأمر سهلا. سوف يقول على الفور تقريبا: "وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ" (لوقا 2: 35). لكنها ستبقى مخلصة لـكلمة ال"نعم" التي قالتها في بادئ الأمر.

هناك ملكوت بدأ بكلمة "نعم"، وبلغ اكتماله مع فصح المسيح، الذي نحتفل به اليوم، حيث ينتصر رب الحياة ويمنح السلام بقلبٍ وأيدٍ مجروحة لكنها غير مهزومة، حيث بات القبر فارغًا، مثل الثياب التي تُركت في القبر…


هذا التأمّل نُشر على موقع بطريركيّة القدس للّاتين، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

كنائس الناصرة تحتفل بعيد البشارة بحضور غبطة البطاركة ورؤساء الكنائس من القدس

Next
Next

عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد الجديد