كلمة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في تدشين متحف المطران أنطونيوس بشير

تجدون في التّالي كلمة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، في تدشين متحف المطران أنطونيوس بشير، دوما، 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025.

أيها الأحبة،

يسعدني أن أكون بينكم في دوما العزيزة. في دوما الجمال الذي يأبى أن يستتر. في هذه البلدة الوادعة التي يعانق قرميدها عنفوان الأرز ويلثم وجه الشرق بأصالة الإيمان وحكايات الضيعة القديمة الغافية على عراقة تاريخها.

ومن عراقة دوما يحلو لي أن أطل اليوم وأتأمل وإياكم ابن دوما البار المطران أنطونيوس بشير الذي مر على رقاده ما يقارب الستين عاماً لكن ذكراه حاضرة في القلوب والأذهان قبل المتاحف والقاعات وفي البشر قبل الحجر.

اسمحوا لي أن أذكر ثلاث نقاط من حياة هذا الحبر الجليل تختصر فيما تختصر شيئاً من عراقته ومن أصالته.

أنطونيوس بشير الذي تسقّف على أمريكا الشمالية في ثلاثينيات القرن الماضي هو الذي دعم الروح الأنطاكية في الأبرشية الناشئة حديثاً. وهو الذي ساهم في رص الصفوف في وقت كانت فيه الفرقة سيدة الموقف في الديار الأم وفي الأبرشية الناشئة. فأسهم في الحفاظ على وحدة الأبرشية وعلى أصالة انتمائها إلى الكنيسة الأنطاكية.

أنطونيوس بشير هو الذي نقل جبران خليل جبران بقلمه الإنكليزي إلى العربية. لعل فيه شيئاً من روح جبران ومن ثورية جبران ومن جماليته. بشير هو الذي نقل لنا "نبي" جبران إلى لغة الضاد. ولعل في هذا شيئاً من انعكاس حب هذا الرجل للفيلوكاليا في الأدب الكنسي. أوليس الأدب شيئاً من الفيلوكاليا؟ من "محبة الجمال" الذي يُرى في الحرف أيضاً.

أنطونيوس بشير هو الذي حمل كنيسة أنطاكية في قلبه وعقله وترجم حبَّهُ لها أفعالاً. والبلمند شاهدٌ على هذا بصرحه الكبير، المعهد اللاهوتي الذي تجسد في فكر بشير عرفاناً منه بفضل كنيسته في ستينيات القرن الماضي. أوقف بشير هبة مالية للكنيسة الأنطاكية ليكون لها معهدها حاملاً لكلمتها ولرسالتها. وفي السنة التي انتقل فيها بشير إلى رحمات الله، جاء فيليب صليبا ليكمل جهود السلف. فكان إلى جانب البطريرك ثيودوسيوس السادس بو رجيلي الذي وضع حجر الأساس سنة 1966. وافتتح المعهد أبوابه في سبعينيات القرن الماضي. ولعل من سخرية القدر أن تغلق مدرسة خالكي في القسطنطينية ويفتتح البلمند في أنطاكية في نفس الفترة. وكأن للمسيحية في هذا الشرق صليباً تعيشه في كل الأوقات.

نكرم اليوم أنطونيوس بشير في دوما مسقط رأسه. نكرمه في أبرشيته جبل لبنان التي يسهر راعيها المطران سلوان على قدر ما أعطاه الله من مواهب ليكون حارثاً وحارساً لجهود من سبقوه إلى محراث هذا الحقل ومنهم المطران العلامة جورح خضر، أعطانا الله بركة صلواته. نكرم أنطونيوس بشير وبيننا أحبتنا أبناؤنا في أبرشية نيويورك وسائر أمريكا الشمالية التي أسند الله محراثها إلى الأخ سابا إسبر. نكرمه اليوم ونحن على أعتاب المجمع المقدس الذي نجتمع فيه لنقول لأنفسنا ولأبنائنا إننا مؤتمنون على إرث المسيح في هذا الشرق، في لبنان الذي يأبى أن ينكسر أمام المحن، وفي سوريا التي تتطلع إلى فجرٍ جديدٍ. نكرمه اليوم ونسأل له ذكراً أبدياً في مراحم أبي الأنوار. نكرمه في هذا الشرق الذي اقتبل وجه المسيح قبل ألفي عام، ووجه المسيح لن يغيب عنه، هو المبارك إلى الأبد آمين.

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذه الكلمة نُشرت على صفحة بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس على موقع فيسبوك.

Previous
Previous

كلمة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في فندق دوما الكبير لمناسبة افتتاح متحف المطران أنطونيوس بشير

Next
Next

كلمة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر خلال قدّاس الأحد، بحضور وفد مجلس أمناء أبرشيّة نيويورك وسائر أميركا الشماليّة، في دير سيّدة البلمند البطريركيّ