رسالة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر بمناسبة اليوم العالمي الأربعين للشباب
رسالة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر بمناسبة اليوم العالمي الأربعين للشباب (ANSA)
"أيها الشباب الأعزاء: المسيح يدعوكم لكي تتبعوه، وتجلسوا إلى جانبه، لتصغوا إلى قلبه وتشاركونه عن قرب حياته! كل واحد منكم هو "تلميذ محبوب"، ومن هذا الحب يولد فرح الشهادة" هذا ما كتبه قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في رسالته بمناسبة اليوم العالمي الأربعين للشباب
تحت عنوان "وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون لأَنَّكُم مَعي مُنذُ البَدْء" (يوحنا ١٥، ٢٧) صدرت ظهر يوم الثلاثاء 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، رسالة قداسة البابا لاوُن الرابع عشر بمناسبة اليوم العالمي الأربعين للشباب كتب فيها أيها الشباب الأعزاء! في مستهل رسالتي الأولى الموجَّهة إليكم، أودّ أولاً أن أقول لكم شكرًا! شكرًا على الفرح الذي نقلتموه عندما جئتم إلى روما للاحتفال بيوبيلكم، وشكرًا أيضًا لجميع الشباب الذين انضمّوا إلينا بالصلاة من جميع أنحاء العالم. لقد كان حدثًا ثمينًا جدًّا لتجديد حماسة الإيمان ومشاركة الرجاء المتّقد في قلوبنا! فلنحرص إذًا على ألّا يبقى اللقاء اليوبِيلي لحظة معزولة، بل أن يشكّل لكل واحد منكم خطوة إلى الأمام في الحياة المسيحية وتشجيعًا قويًّا على الثبات في شهادة الإيمان.
تابع البابا لاوُن الرابع عشر يقول وهذه الديناميكية هي في قلب اليوم العالمي المقبل للشباب، الذي سنحتفل به في أحد المسيح الملك، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، تحت شعار: "وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون لأَنَّكُم مَعي مُنذُ البَدْء". وبقوة الروح القدس، نستعدّ، نحن حجّاج الرجاء، لكي نصبح شهودًا شجعانًا للمسيح. فلنبدأ منذ الآن المسيرة التي ستقودنا إلى الاحتفال العالمي المقبل في سيول سنة 2027. وفي هذا الإطار، أودّ أن أتوقّف عند جانبين من الشهادة: صداقتنا مع يسوع، التي نقبلها من الله كعطيّة؛ والتزام كلّ واحد منّا في المجتمع كَبُنَاة للسلام.
أضاف الأب الأقدس يقول تولد الشهادة المسيحية من الصداقة مع الرب، الذي صُلِب وقام من أجل خلاص الجميع. وهي لا تتماهى مع دعاية أيديولوجية، بل هي مبدأ حقيقي للتحوّل الداخلي وللتوعية الاجتماعية. فقد أراد يسوع أن يدعو تلاميذه الذين أطلعهم على ملكوت الله "أصدقاء"، وطلب إليهم أن يبقوا معه ليُشكّلوا جماعته، ولكي يرسلهم ليُعلنوا الإنجيل. عندما يقول لنا يسوع: "اشهدوا"، فهو يؤكد لنا أنه يعتبرنا أصدقاءه. فهو وحده يعرف من نحن ولماذا نحن هنا؛ يعرف قلب كل شاب منكم، وارتعاشه أمام التمييز والظلم، وتوقه إلى الحقيقة والجمال، والفرح والسلام. وبصداقته هو يُصغي إليكم، ويُلهمكم، ويقودكم، ويدعو كلَّ واحد منكم إلى حياة جديدة.
تابع الحبر الأعظم يقول إن نظرة يسوع، التي تريد فقط خيرنا على الدوام، تسبقنا. فهو لا يريدنا عبيدًا، ولا "نشطاء" في حزب ما، بل يدعونا لكي نقيم معه كأصدقاء، لكي تتجدّد حياتنا. وتأتي الشهادة بصورة طبيعية من حداثة هذه الصداقة وفرحها. إنها صداقة فريدة تمنحنا الشركة مع الله؛ صداقة أمينة تكشف لنا كرامتنا وكرامة الآخرين؛ صداقة أبدية لا يقدر حتى الموت أن يدمِّرها، لأن مبدأها هو المصلوب القائم من بين الأموات.
أضاف الأب الأقدس يقول لنتأمل في ما يقوله الرسول يوحنا في ختام إنجيله الرابع: "وهذا التِّلميذُ هو الَّذي يَشهَدُ بِهذِه الأُمور وهو الَّذي كَتَبَها، ونَحنُ نَعلَمُ أَن شَهادتَه صادِقَة". إنّ الرواية بأكملها تُختَصر هنا في "شهادة" مليئة بالامتنان والدهشة، من تلميذ لا يذكر اسمه أبدًا، بل يصف نفسه بأنه "التلميذ الذي كان يسوع يحبّه". هذا اللقب هو انعكاس لعلاقة، وليس اسم فرد، بل شهادة على رباط شخصي بالمسيح. هذا ما يهمّ يوحنا: أن يكون تلميذًا للرب ويشعر بأنه محبوب منه. وهكذا نفهم أنّ الشهادة المسيحية هي ثمرة علاقة إيمان ومحبة مع يسوع، الذي نجد فيه خلاص حياتنا. وما يكتبه الرسولي يوحنا يصلح لكم أنتم أيضًا، أيها الشباب الأعزاء: فالمسيح يدعوكم لكي تتبعوه، وتجلسوا إلى جانبه، لتصغوا إلى قلبه وتشاركونه عن قرب حياته! كل واحد منكم هو "تلميذ محبوب"، ومن هذا الحب يولد فرح الشهادة.
تابع الحبر الأعظم يقول وشاهد آخر شجاع للإنجيل هو يوحنا المعمدان، السابق ليسوع، الذي "جاء لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس". ورغم شهرته الكبيرة بين الناس، كان يعلم أنه مجرد "صوت" يشير إلى المخلّص: "هوذا حمل الله". ويذكّرنا مثاله بأن الشاهد الحقيقي لا يسعى إلى أن يحتلَّ المشهد ولا إلى جذب أتباع له. لأنَّ الشاهد الحقيقي هو متواضع وحرّ من الداخل، حرّ من ذاته أولاً، ومن رغبة أن يكون محور الاهتمام. ولذلك فهو حرّ في الإصغاء، وفي تفسير الأحداث، وفي قول الحقيقة للجميع، حتى أمام الأقوياء. من يوحنا المعمدان نتعلّم أن الشهادة المسيحية ليست إعلانًا عن ذواتنا، ولا احتفالًا بقدراتنا الروحية أو الفكرية أو الأخلاقية. الشهادة الحقيقية هي أن نعرف ونُظهر يسوع، الوحيد الذي يخلّصنا، عندما يظهر في حياتنا. وقد تعرّف عليه يوحنا بين الخطأة، منغمسًا في إنسانيتنا المشتركة. ولهذا شدّد البابا فرنسيس كثيرًا على أن من لا يخرج من ذاته ومن مناطق راحته، ومن لا يذهب نحو الفقراء والذين يشعرون بأنّهم مُستبعدين عن ملكوت الله، لا يلتقي بالمسيح ولا يشهد له. وحينئذ نفقد فرح أن نُبشَّر وأن نُبشّر.
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأعزاء، أدعو كل واحد منكم لكي يتابع البحث في الكتاب المقدس عن أصدقاء يسوع وشهوده. فبقراءة الأناجيل، ستكتشفون أن جميعهم وجدوا في العلاقة الحيّة مع المسيح المعنى الحقيقي للحياة. إنَّ أسئلتنا الأعمق في الواقع لا تجد الإصغاء ولا الجواب في التمرير اللامتناهي على الهاتف، الذي يشدّ الانتباه ويُرهق العقل ويُفرغ القلب. كما لا يمكنها أن تحملنا بعيدًا إن أبقيناها حبيسة داخلنا أو في دوائر ضيّقة. إن تحقيق رغباتنا الأصيلة يمرّ دومًا عبر الخروج من ذواتنا.
تابع الحبر الأعظم يقول بهذه الطريقة، أنتم الشباب، بمعونة الروح القدس، يمكنكم أن تصبحوا مُرسَلين للمسيح في العالم. فالكثير من أقرانكم يتعرّضون للعنف، ويُجبرون على حمل السلاح، أو على الانفصال عن أحبّائهم، أو على الهجرة والفرار. كثيرون يفتقرون إلى التعليم وإلى الضروريات الأساسية. وجميعهم يشتركون معكم في البحث عن المعنى وما يرافقه من عدم يقين، وفي المعاناة من الضغوط الاجتماعية أو المهنية، ومن صعوبات الأزمات العائلية، ومن ألم فقدان الفرص، ومن الندم على الأخطاء. أنتم أنفسكم يمكنكم أن تسيروا إلى جانبهم، وتُظهروا لهم أن الله، في يسوع، قد اقترب من كل إنسان. كما كان البابا فرنسيس يحبّ أن يقول: "إنَّ المسيح يُظهر أن الله هو القرب والشفقة والحنان".
أضاف الأب الأقدس يقول صحيح أنّ الشهادة ليست دائمًا سهلة. ففي الأناجيل نرى غالبًا التوتر بين قبول يسوع ورفضه: "والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات". وبطريقة مماثلة، يختبر التلميذ الشاهد الرفض أحيانًا بل وحتى العنف. والرب لا يُخفي هذه الحقيقة المؤلمة: "إِذا اضطَهَدوني فسَيَضطَهِدونَكم أَيضًا". غير أن هذه التجارب تصبح فرصة لتطبيق الوصية الأسمى: " أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم". وهذا ما فعله الشهداء منذ بداية الكنيسة.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الشباب الأعزاء، هذه ليست قصة من الماضي فقط. فحتى اليوم، في كثير من مناطق العالم، يُعاني المسيحيون وأصحاب النوايا الحسنة من الاضطهاد والكذب والعنف. وربما مسّتكم أنتم أيضًا هذه الخبرات المؤلمة، وربما جرّبتم أن تردّوا بانفعال، نازلين إلى مستوى من رفضكم، بسلوك عدواني. لكن لنتذكّر نصيحة القديس بولس الحكيمة: "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير". فلا تدعوا إذًا الإحباط يتسلّل إلى قلوبكم: على مثال القديسين، أنتم مدعوون، لكي تثابروا برجاء، لا سيما في وجه الصعوبات والعقبات…
هذا النصّ نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.