عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في أحد البيان ليوسف

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد البيان ليوسف، يوم الأحد 14 كانون الأوّل/ ديسمبر 2025، في الصرح البطريركي في بكركي - لبنان.

"يا يوسف بن داود لا تخف" (متى 20:1)

1. تحتفل الكنيسة في هذا الأحد من زمن الميلاد بالبشارة ليوسف في الحلم. كان يوسف في حيرة حول مكانه في تدبير اللّه الخلاصي عبر مريم، وكان في حيرة بشأن مريم الحبلى. فخاف أمام دوره وأمام حبل مريم. وكان قراره نابعًا من الرحمة لا من الإدانة. وهو أن يتركها سرًّا من دون محاكمة وفضيحة، وهو مؤمن بطهارة مريم وقداستها. ففي تلك الليلة الحاسمة بشأن مريم، ظهر له ملاك الرب في الحلم وكشف له سرّ أمومة مريم، ودعوته ليكون أبًا لابنها: "يا يوسف، بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك إلى بيتك" (متى 1: 20). فما كان من يوسف البار إلّا أن فعل كما أمره الملاك. فأخذ مريم امرأته إلى بيته، وسمّى الطفل المولود منها "يسوع" الذي معناه: "اللّه يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 1: 21). فأصبح يوسف حامي الكنزين: مريم ويسوع، فحمى شرعية مريم امرأته، وحمى شرعية ابنه يسوع الإله المولود إنسانًا في بيته، من مريم العذراء زوجته، بفعل الروح القدس.

2. وتحتفل الكنيسة في هذا الأحد "بيوم السجين" من ضمن الاحتفالات "بيوبيل الرجاء"، وعنوانه كلمة الرب يسوع في إنجيل متّى 25: 36، "كنت سجينًا فزرتموني". فإنّي أحيّي المرشديّة العامّة للسجون في لبنان بشخص مرشدها العام الخوري جان موره، وسيادة أخينا المطران مارون العمّار، رئيس اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام"، والمشرف على المرشديّة العامّة، ومعاونيهما، وقد نظّموا هذا الاحتفال.

إنّ أبرز النشاطات والخدمات التي تقوم بها المرشدية، هي تنظيم زيارات دورية إلى السجون ولقاءات شخصية مع بعض المساجين الراغبين والمحتاجين الى الدعم النفسي والروحي والإصغاء. التنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وإدارات السجون، ومع رؤساء المحاكم العسكرية والقضائية، بهدف تحسين ظروف الاحتجاز وتعزيز التعاون في مجالات الرعاية والزيارات والمتابعة الروحية لهم وتسهيل معاملات بعضهم. تأمين القدّاسات والرتب والخدمات الروحية والدينية والإرشاد الروحي في السجون كافة وإحياء ريسيتالات دينية وروحية. ومن الناحية القانونية، تسعى المرشديّة الى متابعة الملفات القانونية من خلال تقديم طلبات إخلاء سبيل، وتقديم طلبات تخفيض العقوبات وتسريع تعيين مواعيد الجلسات ودفع بعض الغرامات والكفالات والرسوم لتخلية السبيل، والإستشارات القانونية من قبل المحامين في المرشدية لبعض الحالات وزيارة رؤساء المحاكم العسكرية والمدنية، والقضاة لمعالجة بعض قضايا المساجين، بالإضافة إلى الخدمات الصحية والنفسية.

إنّ المرشدية تواجه صعوبات وتحديات كثيرة إذ لا يزال واقع السجون في لبنان في حالة من الإزدراء والسوء، ولا يمكن أبدًا اعتبارها مراكز إصلاح كما تحدّدها شرعة حقوق الإنسان وهي في ازدياد وتفاقم دائم من شهر الى آخر لأسباب عدة أبرزها: غياب الدولة عن الإهتمام بوضع السجون والنزلاء، والإكتظاظ المتزايد، وعدم سير المحاكم بشكل مستمر، ونقص كلّي بمواد التغذية وأدوات النظافة، والأدوية وغيرها من الحاجات الأساسية، وعدم القدرة على تأمين التمويل اللازم والضروري لتغطية بعض هذه الخدمات المطلوبة والضرورية وغيرها لتسهيل عمل المرشدية.

3. مع اقترابنا من عيد الميلاد، نرحّب بكم جميعًا، أنتم المؤمنين المشاركين في هذه الذبيحة الإلهية. نلتقي اليوم حول كلمة اللّه والمذبح المقدّس، فيما كلّ واحد منّا يحمل شيئًا من حيرة يوسف، من خوفه، من انتظاره. لكننا نلتقي أيضًا حول الوعد نفسه: «لا تخف». فليكن هذا اللقاء زمنَ نعمةٍ، وتجديدَ ثقةٍ، واستعدادًا حقيقيًّا لاستقبال الربّ الآتي في بساطة وصمت.

4. ليتورجيًا، يضعنا هذا الإنجيل في عمق زمن المجيء، زمن الميلاد. إنّه زمن الإصغاء، لا زمن الضجيج؛ زمن الطاعة، لا زمن الاستعراض. يوسف لم يتكلّم، بل عمل. «فلمّا استيقظ من النوم، صنع كما أمره ملاك الرب» (متى 1: 24). هذه الجملة تختصر الليتورجيا كلّها: الإصغاء يولّد الطاعة، والطاعة تخلق الخلاص. الكنيسة اليوم لا تضع يوسف في الواجهة، بل في القلب، لأنّه صورة المؤمن الذي يجعل من حياته مكانًا يُنفّذ فيه كلام اللّه. الليتورجيا تعلّمنا أن نقول مع يوسف "نعم" بالفعل، لا بالشعارات، وأن نسمح لله أن يعمل في حياتنا حتى عندما لا نرى الصورة كاملة…

هذه العظة قد نُشرت على صفحة البطريركيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة النصّ كاملًا إضغط هنا.

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يزور كاتدرائية نوتردام دو باريس

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يترأّس قدّاسًا إلهيًّا لمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي إعاقة في بكركي