عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في أحد الكلمة المتجسّد

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد الكلمة المتجسّد، يوم الأحد 28 كانون الأوّل/ ديسمبر 2025، في الصرح البطريركي في بكركي - لبنان

"الكلمة صار بشرًا" (يو 14:1)

1. افتتح القديس يوحنا إنجيله بإعلان لاهوتيّ عميق يضعنا مباشرة أمام سرّ الإيمان المسيحي: سرّ التجسّد. فاللّه لم يكتفِ بأن يتكلّم، بل صار كلامه شخصًا، وصار كلمته جسدًا، ودخل بها إلى تاريخ البشر. «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللّه، وكان الكلمة اللّه… والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا» (يو 1: 1؛ 14).

بالتجسّد صار اللّه إنسانًا، عاش بين الناس، لمس آلامهم، حمل ضعفهم، وسار في طرقاتهم. الكلمة الأزليّة التي بها خُلِق كل شيء، دخلت الزمن، وصارت خاضعة للوقت، وللنمو، وللألم، وللموت.

وهنا تتجلّى عظمة مريم. فهي قبلت الكلمة أولًا بالإيمان قبل أن تقبلها في الجسد. آمنت قبل أن تحبل، وقالت نعم قبل أن تتجسّد في أحشائها. فالكلمة لم تدخل أحشاءها قسرًا، بل دخلت بحرّية حبّ، وبطاعة إيمان. هكذا تحوّلت الكلمة الإلهيّة في حشاها إلى جنين، ومن الجنين إلى طفل، ومن الطفل إلى مخلّص العالم.

جمال المؤمن الحقيقي أنّه لا يكتفي بسماع كلمة اللّه، بل يجعلها جسدًا في سلوكه، في خياراته، في محبّته، وفي مسؤوليته. نحن، على مثال مريم، مدعوّون أن نجسّد الكلمة، لا في أحشائنا، بل في حياتنا.

2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال معًا بهذه الليتورجيا الإلهية في أحد الكلمة، مع ترحيب بالوفد من أبرشيّتنا المارونية "سيدة البشارة" في إيبادان لأفريقيا الشمالية والوسطى مع الزيارة الرسولية في أفريقيا الجنوب، وعلى رأس الوفد سيادة أخينا المطران سيمون فضول. نتمنّى لهم طيب الإقامة. كما نحيي مسؤولي وأعضاء فرق السيدة،

Dame Equipe Notre - منطقة لبنان التي تضمّ الأردن، الخليج وقطر.

إنّنا نلتقي معًا حول كلمة الحياة، بعد أن عشنا فرح الميلاد، لنغوص بشكل أعمق في سرّ معناه. ليكن هذا اللقاء زمن نعمة، وتجديد إيمان، والتزامًا حيًّا بكلمة اللّه التي صارت بشرًا من أجلنا.

وكما قبلت مريم الكلمة في ذاتها، تدعونا الكنيسة أن نقبلها نحن أيضًا، لا كفكرة دينيّة، بل كأسلوب حياة. الكلمة التي صارت جسدًا في مريم، تريد أن تصير رحمة فينا، وعدلًا في قراراتنا، وصدقًا في كلامنا، وأمانة في التزامنا. هكذا يصبح الميلاد مستمرًا، ويتحوّل الإيمان من طقس إلى شهادة حياة. هكذا نعيش الميلاد زمنًا متواصلًا مع كل أفراحه الروحية والإنسانية.

3. في الليتورجيا، تُقرأ الكلمة، لكن الهدف ليس القراءة فقط، بل التحوّل. فالكنيسة لا تريد مؤمنين يحفظون النصوص، بل مؤمنين يُحوّلون النص إلى حياة.

في هذا الزمن، نتعلّم أنّ الميلاد لا ينتهي في الخامس والعشرين من كانون الأول، بل يبدأ حين نقبل الكلمة في ذواتنا، وحين نسمح لها أن تغيّرنا من الداخل. فكما قبلت مريم الكلمة في ذاتها، نحن مدعوون أن نقبلها في قلوبنا، وبيوتنا، وفي علاقاتنا، وخياراتنا. إنجيل اليوم هو إنجيل التدبير الإلهي: اللّه يخلّص العالم لا بالقوّة، بل بالكلمة؛ لا بالعنف، بل بالمحبّة؛ لا بالفرض، بل بالتجسّد…

هذه العظة قد نُشرت على صفحة البطريركيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة النصّ كاملًا إضغط هنا.

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يترأّس قداس الأحد الذي يلي عيد الميلاد المجيد

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو في أحد العائلة المقدسة: عائلة الناصرة هي قدوة لعائلاتنا