درب الصليب، قداسة البابا فرنسيس: في عالم تحكمه الخوارزميات، الاقتصاد الإلهي لا يُقصي بل يحفظ
في التأملات التي كتبها قداسة البابا فرنسيس لرتبة درب الصليب التقليدية في الكولوسيوم، والتي يترأسها هذا المساء، باسم الحبر الأعظم، نائبُه العام على أبرشية روما الكاردينال بالدو راينا، يشرح البابا أن درب الجلجلة هو "نزول" قام به يسوع نحو العالم الذي يحبّه الله. فالمسيح، المسمَّر على الصليب، يقف بين الأطراف، وبين المتضادين، ويحملهم إلى الآب، لأن صليبه يُسقِط الجدران، يمحو الديون، ويقيم المصالحة. وفي وجه الاقتصادات اللاإنسانية المبنية على الحسابات الباردة والمصالح القاسية، يدعو البابا إلى تغيير الاتجاه…
مسار يُقترح على كل إنسان، درب للتأمل في الذات ومحاسبة الضمير من خلال التوقّف أمام آلام المسيح في مسيرته نحو الجلجلة. إنَّ التأملات التي أعدّها البابا فرنسيس، لرتبة درب الصليب التقليدية في الكولوسيوم، والتي يترأسها هذا المساء، باسم الحبر الأعظم، نائبُه العام على أبرشية روما الكاردينال بالدو راينا، تُظهر أن درب الصليب هو نزول قام به يسوع نحو الذين أحبّهم، نحو "العالم الذي يحبّه الله" (المرحلة الثانية). كما أنه أيضًا جوابٌ وتحملٌ للمسؤولية من قِبل المسيح، الذي، وهو مصلوب، يتشفع، ويقف "بين الأطراف، بين المتضادين" (المرحلة الحادية عشرة) ويقودهم إلى الله، لأن صليبه "يُسقط الجدران، يمحو الديون، يلغي الأحكام، ويُقيم المصالحة". إنَّ يسوع، "اليوبيل الحقيقي"، الذي جُرِّد من ثيابه، وأظهر ذاته قريبًا حتى من الذين دمّروه، ينظر إلى الذين عرّوه كأشخاص أحباء أوكلهم الآب إليه، ويُظهر رغبته العميقة في أن يخلّص "الجميع، بدون استثناء" (المرحلة العاشرة).
في تأملاته، يدعو البابا المؤمنين إلى الخروج من أنماطهم الفكرية المعتادة لفهم "اقتصاد الله" – اقتصاد لا يقتل، لا يُهمِّش، لا يسحق، بل هو متواضع، وأمين للأرض – وإلى اتباع درب يسوع، درب التطويبات، الذي "لا يهدم، بل يزرع، يُصلح، ويحفظ" (المرحلة الثالثة). ويشدد البابا خصوصًا على "الاقتصاد الإلهي" (المرحلة السابعة)، المختلف تمامًا عن اقتصاد اليوم القائم على الخوارزميات والحسابات والمنطق البارد والمصالح القاسية. لقد قبل المسيح الصليب من أجل البشر، وهذا الحمل الذي تحمّله "يحكي عن النَفَس" الذي يحرّكه، عن الروح "الذي هو الرب ويعطي الحياة" (المرحلة الثانية). أما نحن، فنعيش "بأنفاس قصيرة" بسبب تهرّبنا من المسؤولية. لكن يكفي، كما يقول البابا، "ألا نهرب، بل أن نبقى: بين الذين أعطيتنا إياهم، وفي الأماكن التي وضعتنا فيها"، وأن نرتبط ببعضنا البعض، لأننا "بهذه الطريقة فقط نفكُّ أسر أنفسنا". إنَّ ما يُثقلنا حقًا هو "الأنانية" و"اللامبالاة".
في مقدمة المراحل الأربع عشرة، يكتب البابا أن خطوات يسوع نحو الجلجلة تمثل "خروجنا نحو أرض جديدة"، لأن المسيح جاء "لكي يُغيّر العالم"، ونحن مدعوون إلى "تغيير الاتجاه، ورؤية الخير في آثاره". ومن هنا، فإن "درب الصليب هو صلاة من يسير، وهو يقطع مساراتنا المعتادة". وهو درب "يكلّفنا"، لا سيما في "هذا العالم الذي يحسب كل شيء" وحيث "للمجانية ثمن باهظ". ولكن، كما يشير البابا، "في العطاء، يُزهر كل شيء من جديد: مدينة ممزقة بفعل الانقسامات تسير نحو المصالحة، وتديُّن ذابل يكتشف مجدّدًا خصوبة وعود الله، وحتى قلب الحجر يمكنه أن يتحول إلى قلب من لحم".
إنَّ الحكم على يسوع بالموت يفتح الباب للتأمل في "اللعبة المأساويّة لحرياتنا" (المرحلة الأولى). من الثقة "التي لا رجعة فيها" والتي بها يضع الله نفسه "بين أيدينا"، ينبع "قلقٌ مقدس" قد يولّد "العجائب"، كما يؤكد البابا: " تحرير المتهمين ظلماً، والتعمُّق في تعقيدات المواقف، ومكافحة الأحكام التي تقتل". لكننا غالبًا ما نبقى "أسرى لأدوار لم نرغب في الخروج منها، ويُقلقنا إزعاج تغيير الاتجاه"، فنفلت من بين أيدينا "فرصة درب الصليب". ومع ذلك، يبقى المسيح "واقفا أمامنا بصمت، في كل أخت وكل أخ يتعرضان للأحكام المسبقة"، ويتحدانا، لكن "المجادلات الدينية، والمماحكات القانونية، والفطرة السليمة الظاهرة التي لا تتدخل في مصير الآخرين: ألف سبب يشدنا إلى جانب هيرودس والكهنة وبيلاطس والجمع". ومع ذلك، فإن يسوع لا يغسل يديه، بل "يحبّ في صمت". ويعود البابا إلى موضوع الحرية في المرحلة الحادية عشرة: فالمسيح المسمّر على الصليب، "يُظهر لنا أن في كل ظرف هناك خيار يمكن اتخاذه". إنها "دوخة الحرية". فيسوع يختار أن يمنح "انتباهه" للرجلين المصلوبين بقربه، متجاوزًا إهانات أحدهما، ومستجيبًا لتوسُّل الآخر. ولا ينسى الذين سمّروه على الصليب، بل يطلب الغفران للذين "لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون"، ويحمل الجميع إلى الله…
هذا الخبر نشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.