الكنائس الشرقية تصلي في روما من أجل راحة نفس قداسة البابا فرنسيس
صوت الكنائس الشرقية، المتجذر في فجر المسيحية، ارتفع مساء اليوم في روما في صلاة رجاء من أجل راحة قداسة البابا فرنسيس الذي أحب الشرق. الكاردينال غوجيروتي: أعتقد انَّ البابا فرنسيس يتهلل اليوم، لرؤيتنا مجتمعين معًا في الصلاة من أجله ومن أجل شفاعته
في ختام يومٍ آخر من الحزن المضمّخ بالإيمان، ارتفعت في بازيليك القديس بطرس صلاة اليوم السابع من تساعية القداسات عن راحة نفس البابا فرنسيس، حاملةً في طيّاتها أنين الأرض ورجاء السماء. وفي عظته مترئسًا القداس الإلهي وجه الكاردينال كلاوديو غوجيروتي نداءً مؤثراً إلى قلوب المؤمنين، حاملاً نبض الشرق الجريح، وصوت الكنائس التي أحبّها البابا واحتضنها، وداعياً إلى البقاء أوفياء لذلك الإيمان الذي عاشه الذين بذلوا دماءهم لا من أجل سلطان أرضي، بل من أجل وجه المسيح المتألّق في الفقراء والمضطهدين والمنسيين.
قال الكاردينال غوجيروتي قبل أيامٍ قليلة، وقفنا نصلي أمام جثمان حبرنا الأعظم البابا فرنسيس، وعلى ذاك الجسد الساكن جددنا إيماننا الراسخ بقيامة الأموات. وفي هذه الأيام، لا تزال قلوبنا مملوءة بالرجاء وصلواتنا متواصلة، نرفعها إلى الرب كي يغمُر برحمته عبده الأمين. إنَّ القيامة، كما تذكرنا القراءة الأولى، ليست ظاهرة تنبع من طبيعة الإنسان ذاتها، بل هي عطية من الله، يهبها لنا بروحه القدوس. من مياه المعمودية خرجنا خليقة جديدة، أعضاء في بيت الله، مقرّبون إليه، وكما يقول القديس بولس: أبناء بالتبني، لا عبيد. وبما أننا أبناء، يمكننا أن نهتف في الروح عينه: "أبّا، أيها الآب". إن هذه الصرخة لا ترتفع منّا وحدنا، بل تشاركنا فيها الخليقة بأسرها، التي تتمخّض، مترقّبة شفاءها. كم هو ضئيل ما يُمنح اليوم من قيمة للإنسان والطبيعة معًا! ومع ذلك، نجد بيننا كرادلة، وخصوصًا من إفريقيا، يشعرون عفويًّا بجمال ما يولّده هذا المخاض لأن الحياة الجديدة هي كنز لا يُقدّر بثمن لشعوبهم.
تابع الكاردينال غوجيروتي يقول ويظهر لنا في هذا السياق وجه الخليقة كشريكة في مسيرة الإنسان، متضامنة معه، كذلك هي تطلب منه أن يكون بدوره متضامنًا معها، لكي يتمّ احترامها ويُعمل على شفائها. وهذا بالذات ما كان عزيزًا على قلب حبرنا الأعظم العزيز البابا فرنسيس. إن صدى أنين الخليقة من حولنا لا ينفكّ يُسمع، وفي صميمه أنين الإنسان، ذاك الذي خُلق للمجد وهو الغاية التي لأجلها أوجد الله الخليقة. إنَّ الأرض تصرخ، لكن الأشدّ صراخًا هو بشرية تئنّ تحت وطأة الكراهية، التي ليست سوى ثمر فقدان المعنى الحقيقي للحياة. أما نحن، المسيحيين، فنؤمن أن الحياة هي دخول في عائلة الله، إلى حدّ الاشتراك في جسد ودم المسيح الرب، الذي نحتفل به في سرّ الإفخارستيا هذا.
أضاف الكاردينال غوجيروتي يقول وكثيرًا ما تعجز هذه الإنسانية الممزقة عن أن تحوّل صراخها إلى صلاة تتوجّه بها نحو إله الحياة. وهنا، كما يعلمنا القديس بولس، يتدخل الروح في أعماقنا، محوّلاً صمتنا الثقيل ودموعنا المختنقة إلى ابتهال أمام الله بأنّاتٍ لا تُوصف، أو كما يمكن ترجمتها أيضًا: بأنّاتٍ صامتة. وهذه التعابير تجد لها صدى خاصًا في الروحانية المسيحية الشرقية، حيث يُعدّ العجز عن التعبير عن الله إحدى سمات اللاهوت: تأمل في ما لا يمكن فهمه، محاولة لإزالة الحجاب عن الحقيقة السامية، لكي لا يبقى لنا سوى أن نقول، كما قال القديس توما الأكويني: ليس ما هو الله، بل ما ليس هو.
تابع الكاردينال غوجيروتي يقول ما أعمق هذا التعليم لنا، نحن الذين نتوهّم أحيانًا أننا نملك الله ونعرف الحقيقة معرفة تامة، بينما لسنا سوى حجّاج على الطريق، أُعطينا الكلمة التي هي ابن الله المتجسّد، لأن ما أعطانا موهبة العيش في مجد الله ليس سوى ثمرة النعمة وحلول الروح القدس الذي يجعلنا بالتحديد "روحانيين". وفي الشرق، الأب الروحي والأم الروحية هما الراهب أو الراهبة أو مرشد الذين يطلبون الله. حتى نحن في الغرب، قبل أن نسمي هؤلاء الأشخاص "مرشدين" روحيين، كنا نسميهم آباء وأمهات روحيين. تغيير مثير للاهتمام. وفي هذا الاحتفال الإفخارستي، نحن نرغب في أن نتحدّ، قدر ما نستطيع، رغم جفافنا وتشتتنا وفقداننا المستمر للتركيز على ما هو جوهري، مع أنين الروح الذي لا يوصف، والذي يصرخ إلى الله بما يرضيه وبما يعبّر بملء فيه عن أنين طبيعتنا الذي لا نعرف كيف نصوغه بالكلمات، لأننا لا نمنح أنفسنا، وسط زحام الحياة، فرصةً لكي نعرف ذواتنا، ونعرف الله، ونرفع الصلاة إليه. يدعونا القديس أوغسطينوس لكي ندخل إلى داخل ذواتنا لأنه هناك يمكننا أن نجد المعنى الأصيل الذي لا يعبّر فقط عما نحن عليه، بل يصرخ إلى الآب حاجتنا لأن نكون أبناء أحباء، مردّدين: "أبّا، أيها الآب: "لا تخرج إلى الخارج، بل عُد إلى ذاتك؛ ففي داخل الإنسان تسكن الحقيقة".
أضاف الكاردينال غوجيروتي يقول من أحبّ حياته فقدها – كما يذكّرنا إنجيل يوحنّا – ومن أبغض حياته وجدها. في هذه العبارة المتطرفة يعبر الربّ عن خصوصيتنا كمسيحيين، أولئك الذين ينظر إليهم العالم كأتباع لمهزوم في الحياة، لم يخلّص العالم بتأسيس مملكة أرضيّة، بل من خلال موته فدى كلّ واحدٍ منّا. لقد علّمنا البابا فرنسيس أن نصغي إلى صرخة الحياة المُنَتهَكة، أن نأخذها على عاتقنا ونرفعها إلى الآب، وأن نعمل على تخفيف الألم الذي تثيره هذه الصرخة بشكل ملموس، في كلّ بقعةٍ من الأرض، وبكلّ شكلٍ من الأشكال التي يتسلّل بها الشرّ ليضعفنا ويفتك بنا…
هذا الخبر نشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.