هل من أمل لنبوءة حزقيال بنهضة البشرية؟
بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم
غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط،
وسط ما يعيشُهُ عالمُنا البائس، من مآسي حروبٍ تقتل الناس، وتدّك ما بنوه على مدى قرون، وتنسف المباديء والثوابت والقيم، وتخلق حالة من الفوضى الأخلاقية والإجتماعية، وتُشَرعنْ النفاق والفساد، نقرأ للنبي حزقيال (621 ق. م. و571 ق. م.)، المَسبي الى بابل (العراق حاليا)، ونحن اليوم أشبه بمسبيين، عن نبوءة – أمل بنهضة جديدة، نشهد فيها شفاءً روحيّاً، “فنَبيَضُّ أكثر من الثلج” (مزمور 51/ 9) وقيامة إجتماعية، لا سيما ونحن في سنة يوبيل الرجاء.
نبوءة حزقيال
عندما نفقد روح الله نتحول الى مُصارعين، لذا يدعو النبي حزقيال الى التوبة النصوح كما دعا يسوع: “قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ” (مرقس 1/ 15). هذا هو مسار الخلاص، لاستعادة نظام الله ونظام العالم، وعلامات الحياة وتناغم العلاقات. تغييب الله هو تغييب الحياة وبحضوره تفيض الحياة.
“وكانَت عَليَّ يَدُ الرَّبّ فأَخرَجَني بِروحِ الرَّبّ، ووَضَعَني في وَسَطِ السَّهْلِ، وهو مُمتَلِئٌ عِظاماً، وأَمرَّني علَيها مِن حوَلها، فإِذا هي كَثيرَةٌ جِدّاً على وَجهِ السهَّلْ، وإِذا بِها يابِسَةٌ جداً. فقالَ لي: يا ابنَ الإنْسان، أُتُرى تَحْيا هَذه العِظام؟ فقُلتُ: أيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، أَنتَ تَعلَم. فقال لي: تنبَّأ على هذه العِظام وقُلْ لَها: أَيَّتُها العِظامُ اليابِسَة، اِسمَعي كَلِمَةً الرَّبّ. هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِهذه العِظام: هاءَنَذا اُدخِل فيكِ روحاً فتَحيَين. أَجعَلُ علَيكِ عَصَباً وأُنشِئُ علَيكِ لَحماً وأَبسُطُ علَيكِ جلداً وأَجعَلُ فيكِ روحاً فتَحيَينَ وتَعلَمينَ أَنِّي أَنا الرًّبّ. فتَنَبَّأْتُ كما اُمِرتُ. فكانَ صوتٌ عِندَ تَنَبُّؤي، وإِذا بِارتعاش، فتَقارَبَتِ العِظامُ كُلُّ عَظم إِلى عَظمِه”
(حزقيال 37/ 1-7)
يعبّر النبي حزقيال بدهشة وذهول عن ثقته بقدرة الله المطلقة:
“ونَظَرتُ فإِذا بِالعَصَبِ واللَّحمِ قد نَشأَ علَيها، وبُسِطَ الجِلدُ علَيها مِن فَوقُ ولم يَكُنْ بِها روح. فقالَ لي: تَنَبَّأْ لِلرُّوح، تَنَبَّأْ يا ابنَ الإِنْسانِ وقُلْ لِلرُّوح: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: هَلُمَّ أَيُّها الرُّوحُ مِن الرِّياحِ الأَربَع، وهُبَّ في هؤُلاءِ المَقْتولينَ فيَحيَوا. فتَنَّبأتُ كما أَمَرَني، فدَخَلَ فيهمِ الرُّوح، فعاشوا وقاموا على أَقْدامِهم”
(حزقيال 37/ 8-10)
وقيامة لعازر (يوحنا 11/ 1-45)
أجد علاقة عميقة بين موت لعازر وقيامته ونبوءة حزقيال. ثقة مريم ومرتا بيسوع. قالت مرتا ليسوع: “لو كنتَ هنا لما مات أخي” (يوحنا 11/ 21). كل واحد منّا هو في الواقع من يُحبُّه الله / يسوع. وكل واحد منا مريض وجريح. بيت عنيا تعني بيت الألم- الموت، يُحوِّله يسوع الى بيت القيامة، تماماً كما تنبأ حزقيال في بابل.
إذا كان القبر صورةً لموضع موتنا، فكل ما يحدث حول هذا القبر يُعبّر عن حياتنا وعن الديناميكية التي نعيشها. يصل يسوع الى بيت عنيا، بيت الألم، ويدخله ليُحرِّر لعازر من الموت. في بيت الالم هذا، لا يزال يأتي لله ليوقظنا: هذا الوعد مُنْقَوشٌ بإسم لعازر نفسه: “الله يُعين” وحزقيال “قوة الله“.
العِبرة: اننا أحباء الله الذي يُعيننا. صحيح أحياناً ان الآخرين بتضليلهم وافتراءاتهم يُسقِّطوننا، لكن الله لابد ان يُظهر الحقيقة ويُخزي المنافقين، كما حصل ليسوع الذي أقامه الله واخزى صالبيه!
الروح القدس هو نفسه، وقدرة الله هي التي تجعل المستحيلَ مُمكناً. شرطُها الوحيد هو الإنصات الى كلمة الله، والطاعة له على مثال العذراء مريم: “فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ” (لوقا 1/ 38).
يجب أن نأخذ كلام الله على محمل الجدّ، ونقبله بنفس روحانيّة مريم، ونطبِّقه لكي يكون لنا مخرجٌ للحياة من ركام خطيئة (قبر) الحروب والنزاعات والخراب والموت. بالإيمان والصلاة والمغفرة لبعضنا البعض نخرج من الموت، ونستعيد الشروط الأساسية لحياة جديدة، لحياة روحية، كما أكّد النبي حزقيال. عندما نؤجل التغيير بعدم مبالاتنا في تصحيح مسارنا، تموت الحياة، وتصبح قبراً، وينتهي بنا المطاف مدفونين تحت كومة من الأنقاض.
التوبة هي باب القيامة
أي العودة الى المنطق السليم: الى الله ومنظومة الأخلاق وتغيير السلوك. هي التي تجمع العظام المتناثرة، لتُشكّل هياكل عظمية داعمة لنهضة حقيقية للبشرية، بروح جديدة وقلب جديد وسلام مستدام.
لذا هناك حاجة لمزيد من
الإنسانية والتضامن والاهتمام
هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة.