عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في عيد مار شربل

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في عيد مار شربل، الأحد 20 تمّوز/ يوليو 2025، في دير مار مارون عنّايا - لبنان.

"حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (متى43:13).

فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون،

حضرة اللبنانيّة الأولى السيّدة نعمت عون.

1. جميل عيد القديس شربل بحضوركما، وأنتما تلبّيان دعوة قدس الرئيس العام الأباتي هادي محفوظ، محاطين بسيادة السفير البابوي وبالسادة المطارنة الأجلاء، والآباء المدبّرين ورئيس هذا الدير العامر، وبأصحاب المعالي والسعادة، وسائر المقامات المدنية والعسكرية. إننا نصلّي معكم، فخامة الرئيس، لكي بشفاعة القديس شربل، قديس لبنان، يسدد الله خطاكم، ويزيدكم حكمة وفطنة وصبراً في قيادة لبنان الذي يمرّ بظروف دقيقة وصعبة، تستدعي الرويّة في حلّها. وأنتم تؤمنون بذلك، ومن أجله تعملون وتصلون. فحضوركم اليوم، فخامة الرئيس، على رأس المصلين ليس مجرّد زيارة شخصيّة أو خطوة وطنيّة، بل وبخاصّة فعل إيمان عميق بأن لبنان، رغم كلّ شيء، لا يزال قائماً على ركيزتين: الله وقدّيسيه.

يتزامن عيد القدّيس شربل مع عيد مار الياس نبيّ الله الغيور، الذي قاده الله في الرسالة التي انتدبه لها. وهو مثال لكلّ قائد غيور متجرّد يعمل في سبيل الشعب والخير العام. نلتمس شفاعته من أجل السلام والإستقرار في بلدنا وسائر البلدان.

2. آية إنجيل اليوم: "حينئذٍ يتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (متّى 43:13)، تنطبق تماماً على القدّيس شربل الذي دخل مجد السماء، في 24 كانون الأول 1898، ليلة عيد ميلاد الرب يسوع المسيح على أرضنا. فيا للتبادل العجيب: السماء تهدي الأرض إبن الله انساناً، والأرض تهدي السماء لؤلؤة من أثمن لئالئها إبناً لله بالنعمة، شربل مخلوف!

وكما أن السيّد المسيح، بتجسّده، خبّأ طبيعته الالهية وراء ضعف طبيعته الإنسانية، كذلك شربل مخلوف استترت حياة النعمة فيه وراء طبيعته البشرية المتواضعة والفقيرة. كانت قداسته مستورة في بقاعكفرا ودير سيّدة ميفوق ودير مار مارون عنايا، ودير مار قبريانوس في كفيفان، وفي محبسة القديسين الرسولين بطرس وبولس على تلة عنايا.

3. ها نحن اليوم نلتقي في عيد هذا القديس الذائع الصيت، الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ القداسة في لبنان والعالم، حتى أصبح شاغل العالم، قديس كل الأديان والطوائف والبلدان، المتجذّر في أرض لبنان والمحلّق تحت كلّ سماء.

نحن اليوم في حضرة قديس من زمن الله، عاش متجذّراً في التراب، ومحلقاً في الملكوت. رجلٍ صامت صمت الأسرار، ومتكلّم بقوّة المعجزات، رجلٍ لبناني الجسد، وعالمي الروح وسماوي الدعوة. إنه شربل ناسك عنايا، والمقيم في قلوب الشعوب، المتعبّد لله بالصمت، وخادم الجماهير بالشفاعة والشفاء.

عيد مار شربل إعلان متجدّد أن القداسة ممكنة، وأن الرجاء لا يُطفأ، وأن من أرضنا المصلوبة تنبت ورود قداسة تعبق بعطر المسيح.

4. كان القديس شربل رجل ليتورجيا بامتياز، من القداس إلى القداس، ومن المذبح إلى المحبسة، ومن المناولة إلى الإستشهاد الصامت. فبنذوره الرهبانيّة الثلاثة، الطاعة والعفّة والفقر، قدّم ذاته بكليّتها لله، مستشهداً جاعلاً نفسه تقدمة كاملة مرضيّة لدى الله. فبالطاعة تخلّى عن إرادته ليعتنق إرادة الله. بالعفّة تخلّى عن كلّ ميل وفكر ونظرة ليملأ عينه وقلبه وعقله من نور المسيح، ويكرّس حبّه وكلّ جسده وروحه لله. بالفقر تخلّى عن كلّ خيرات الدنيا ليغتني بالله.

كانت حياته قداساً دائماً، وصلاته تسبيحاً صامتاً، وصمته نشيداً مرفوعاً إلى الله. في كلّ مرة نستحضره، أو نقف أمام صورته، أو نخشع أمام ضريحه، نعلن أن الحياة المسيحية في جوهرها، تقديس للزمن، وتكريس للذات، واتحاد دائم بالمسيح المصلوب والقائم. هذه هي الرسالة المسيحيّة نعيشها تحت كلّ سماء.

فخامة الرئيس،

5. إن زيارتكم التقوية اليوم إلى ضريح القديس شربل، هي بارقة رجاء بأن لبنان بحاجة إلى قادة على مثال القديس شربل ومار الياس النبيّ، يتكلمون قليلاً ويعملون كثيرًا. لا يسعون إلى المجد الشخصي، بل إلى العمل بصمت. لبنان بحاجة إلى بصيرة القديس شربل وجرأة مار الياس، وقرارهما المدروس والملتزم…

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

لجنة متابعة القمة الروحية تجتمع برئاسة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في الديمان وقمة روحية مرتقبة

Next
Next

بيان صادر عن الهيئة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان حول الاعتداء على كنيسة العائلة المقدسة في غزة