الروح (القلب) قبل الشريعة : يحِلُّ عمل الخير في السبت

بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط،

   نحن أمام نصٍّ إنجيليٍّ تعليمي catechism مُهِمٌ، يَعرضه لنا لوقا (14/ 1-6) في الأحد الأول من زمن الصيف، وهو شفاء مريض في السبت، ومرقس (7/ 1-8) في الأحد الرابع عن ممارسة طقسية، “غسل الأيدي قبل الطعام… وعدم إلتزام تلاميذ يسوع بهذه الممارسات القانونية تجعل اليهود يشكّكون في جودة التعليم الذي يقدّمه.

تعليم يسوع مختلف تماماً

يختلف أسلوب يسوع في التعليم عن اسلوب حاخامات اليهود. رداً على الفريسيين الذين وبَّخوا تلاميذه على عدم إحترامهم لفريضة السبت وغسل أيديهم قبل تناول الطعام، يعطي يسوع، المعنى الحقيقي للشريعة. الإنسان قبل الشريعة والروح – القلب قبل الحرف. فالطهارة والنجاسة ليسا في الشكل، إنما في الجوهر، في النية. يسوع يريدنا ان نكون بشراً لا روبوتات، أي ان نعي المعنى الحقيقي لهذه الوصايا لتغذي علاقتنا، ونشعر براحة الضمير: “فهو الَّذي مَكَّننا أَن نَكونَ خَدَمَ عَهْدٍ جَديد، عَهْدِ الرُّوح، لا عَهْدِ الحَرْف، لأَنَّ الحَرْفَ يُميتُ والرُّوحَ يُحْيي” (2 قورنثية 3/ 6). قيمتنا في وعيِّنا، وهو ما يميّزنا كبشر: أي التفكير والتحليل والاختيار السليم. هذه الخطوات سوف تجعلنا أكثر اشراقاً وغنى وتماسكاً بجوهر ذاتنا.

لقد طبَّق اليهود بوسواس وبحرفيّة نصوصاً من الشريعة مقتبسة من العهد القديم مع ترديد بعض صلوات التسبيح. كان من المفترض أن تكون بمثابة دليل روحي لبَني إسرائيل في ظروف حياتهم الإيمانية، وليس ممارسات ينفذونها بطاعة عمياء من دون تفكير ولا مُساءلة.

لا يدين يسوع الوصايا التي تَمسَّك بها الفريسيون اليهود بشدة، لكنه يستغل انتقاداتهم للكشف عن المعنى الحقيقي لهذه الممارسات، وتوسيع نطاقها بشكل كبير في المجال الروحي. وكسر يسوع بجوابه المدَويّ الصور النمطية المعتادة: “يحِلُّ عمل الخير في السبت” (مرقس 3/ 4). هذه الجملة البسيطة في ظاهرها يجب ان تقلب في داخلنا مفهوماً كاملاً للشريعة، وتساعدنا على ان نحذوا حذوى يسوع، في حمل جدّة الإنجيل وبشرى محبة الله الى الجميع.

إلى جانب نظافة اليدين، التي تحفظ الجسد من كل القذارة التي قد تعرّض حياة المرء للخطر، يركّز يسوع على طهارة القلب، التي هي شرط الحياة الروحيـة الأساسي، والتي يجب الحفاظ عليها من الإنحرافات. هذه الطهارة، إذا ما إختبرها المؤمن، ستمنح له القوة في وجدانه لتطبيق وصية الله: محبة الله والقريب كنفسه.

هبة المحبة الثمينة هذه والصلاة الدائمة الى الله، تساعدان المرء في حماية طهارة القلب، وتحصّنانه من كل ما يلوّث القلب البشري،  ويُدنّس كل ما يصدر منه.

تحذير لعصرنا

في العالم الذي نعيش فيه، حيث تُروّج وسائل الإعلام مشاهد وكلمات، تضلل الوعي وتتنصَّل عن المسؤولية الأخلاقية، ينبغي أن تكون لكلمات يسوع صدىً قوياً في حياتنا.

من المؤسف انه يوجد في الكنيسة اليوم أشخاص لهم نفس العقلية، يظنون ان إرادة الله هي في المحافظة الدقيقة على التقاليد والطقوس والنُظم، وكأنها مبادئ أبدية، وممارسات ثابتة، غير مستوعبين مواقف يسوع ونداءاته الشجاعة الى إعادة التفكير في كل هذه التقاليد والمفاهيم على ضوء متغيرات المكان والزمان والثقافة، حتى يتمكن الإنجيل من تحريك الطاقات ليعيش كل إنسان كامل إنسانيته وبنوّته الإلهية.


هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة.

Previous
Previous

تأمل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السابع عشر من الزمن العادي (سنة ج)

Next
Next

قداسة بطريرك القسطنطينيّة المسكونيّ برثلماوس الأوّل أدان "العمل الرّهيب" ضدّ كنيسة العائلة المقدّسة ودعا إلى إنهاء الحرب