التَجلّي إستباق لقيامة المسيح

بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط،

      نقرأ في إنجيل متى (17/ 1-8)، عن مجد تَجلّي يسوع. بهذا المشهد يظهر يسوع ظهوراً مُمجَّداً، أمام تلاميذه على قمة جبل طابور. التجلي لحظة محورية في تعليمه catechism. كل همِّه ان يَرفَعَنا اليه: “أَنتُم مِن أَسفَل، وأَنا مِن عَلُ” (يوحنا 8/ 23). والأهم في المشهد هو صوتُ الله الآب الآتي من السماء ليرسّخ مسيرة التلاميذ في اتباع يسوع: “هذا هَو ابنيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضيت، فلَهُ اسمَعوا” (متى 17/ 7).

كان يسوع قد كشَفَ لتلاميذه انه سيتألم، لكن الله سيقيمُه ويمجده في النهاية. التجَلّي يُعزز هذا الإيمان.

على قمة الجبل، توجد حول يسوع خمس شخصيات: اثنتان من العهد القديم: موسى وإيليا. بينما في الأسفل، ثلاثة رسل أوائل، أولئك الذين اختارهم لمرافقته في هذه الظروف الفريدة. هم، الأخَوَان يعقوب ويوحنا، وسمعان بطرس، وكانوا في دور التنشئة.

هذه الظاهرة تبيّن “المجد” الذي انعكَسَ على ثيابَ يسوع وجسَدَه، ليُنقل مع موسى وايليا إلى السحابة المضيئة حيث يُسمع صوت الله الآب: “هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت. نفس الشهادة نجدها في عماده (متى 3/ 17).

لا شك أن حادثة التجلّي تصِف لحظة حاسمة في تطور الوعي الديني عند التلاميذ بشكل عميق، حيث جدَّدَ المخلّص بتجلّيه، ومرافقة موسى وإيليا له، عن سرّ الحياة الآخرة الذي لا يُسبر غوره؛ والذي سيُكشَف لهم عندما يجدون أنفسَهم في ملكوت الآب السماوي، بصحبة الآباء والأبرار. تقول الرسالة الأولى الى أهل تسالونيكي: “لأَنَّكم جَميعاً أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات” (5/ 5).

اللحظة التي يعيشونها إستثنائية لدرجة أن رئيس الكنيسة المُستقبلي (بطرس) يرغب في إدامتها؛ من خلال الاحتفاظ بيسوع والنبيين بهذا الوضع، إن جاز التعبير. لذا يقترح برَدّة فعل بشرية تماماً، نصب ثلاث خيام لهم. لا يفهم أن المشهد الذي أنعمَ عليه برؤيته ليس سوى بداية لمجد أعظم قادم.

بإتاحة الفرصة لهم ليكونوا شهود عيان على هذا المشهد، الذي لا يُدركه عقلهم البشري، يوجّه يسوع تلاميذه الى حقيقة خارقة للطبيعة تتجاوزهم تماماً، ولا يمكنهم إلا الشعور بوجودها. وكما أنهم لن يتمكنوا من فهم معنى عبارة “القيامة من بيت الأموات”، فإنهم لا يستطيعون أبداً تَخيّل نوع الرسالة التي يُعِدّ لها: رسالة تبدأ في أورشليم، وتمر عبر الصليب، وتكتمل بالقيامة التي ستتيح الظهور النهائي لمجده، والكشف الكامل عن ملكوت الله، الذي تُمثّله صورتَه سحابة السماء.

مصير التلاميذ الثلاثة: سيُدعى هؤلاء التلاميذ الثلاثة للقيام بدور في تاريخ الخلاص مماثل للدور الذي لعبه يسوع وموسى وإيليا.

- سيقود سمعان الكنيسة عِبر مِحَن تاريخها؛ بنفس الطريقة التي قاد بها موسى الشعب العِبري في ظروف قاسية، وسيُصلب شهيداً.

- سيكون يعقوب أول شهيدٍ للكنيسة الفتية؛ وبهذه الصفة، يمنحه الانجيل شرفاً رفيعاً مقارنةً بيسوع نفسه، في دور الحَمَل المذبوح.

- أخيراً، سيعيش يوحنا تجربةً ساميةً روحيّة في حياة طويلة؛ تُكسِبُه تألّقاً روحيّاً: (يُرمَز الى إنجيله بالنسر).


هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

كلمة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديسة مريم المجدلية

Next
Next

عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في عيد الربّ