عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الأحد الأوّل بعد عيد الصليب في رعيّة مار شربل – سورين

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد الأوّل بعد عيد الصليب، الأحد 21 أيلول/ سبتمبر 2025، في رعيّة مار شربل – سورين.

"من أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن خادماً للجميع"

(مرقس 10: 44)

طلب يعقوب ويوحنا من يسوع قائلين: “إئذن لنا أن نجلس، واحد عن يمينك والآخر عن يسارك، في مجدك” (مرقس 10: 37). فربط يسوع هذا الطلب برغبتهما في المشاركة في سر آلامه وموته، الذي عبّر عنه بعبارتي “يشربان الكأس” و”ينالان المعمودية” (مرقس 10: 38). ولما أظهرا استعدادهما لمشاركته في الآلام، وعدهما يسوع بالمشاركة في المجد، دون أن يضمن لهما الأماكن عن يمينه ويساره، لأنها معدّة لمن أُعدّت لهم (مرقس 10: 40).

وعندما سمع سائر التلاميذ بذلك، غضبوا على يعقوب ويوحنا، فانتهز يسوع الفرصة ليشرح لهم معنى دعوته على طريق الفصح، والمعنى الحقيقي لملكوته. أوضح لهم أن “الملوكية الزمنية” تُمارَس عبر التسلّط وطلب المجد، بينما “ملوكية المسيح” تُعاش في الخدمة، والتواضع، والبذل من أجل الجميع. وهكذا، “الأعظم” في ملكوته يكون “خادماً للجميع”، و”الأول” يكون “عبداً للجميع” (مرقس 10: 43-44).

يسعدني أن أحييكم جميعاً، لا سيّما السلطات الكنسية والمدنية، ونحن نحتفل معاً بهذه الليتورجيا الإلهية على نية أبناء وبنات هذه الرعية، وكذلك على نية الرهبنة اللبنانية المارونية والآباء الذين يخدمون هذه الجماعة.

نصلّي من أجل رعية مار شربل – سورين، ومن أجل الرهبنة، لكي يفيض الله عليهم نِعَمه وبركاته.

نصلّي أيضاً لكي يكون دير مار شربل، الذي تم تدشينه بالأمس، مكاناً للصلاة، والرجاء، والتعزية الروحية، والرسالة.

في قلب الاحتفال الإفخارستي نكتشف دائماً معنى الخدمة والبذل. فالقداس ليس طقساً فحسب، بل هو مشاركة في سرّ المسيح الذي بذل نفسه فداءً عن كثيرين.

نذكّر اليوم أن المسيحية ليست أماكن شرف ولا مناصب سلطة، بل هي صليب، ومحبّة، وبذل للذات.

واجه يسوع التلاميذ بحقيقة مؤلمة:

“أنتم تعلمون أن الذين يُعدّون رؤساء الأمم يسودونهم، وعظماؤهم يتسلّطون عليهم”.

بهذا، وصف منطق العالم، حيث تتحول السلطة إلى تسلّط، والعظمة إلى سيطرة، والقوة إلى قهر الآخرين.

ولكن يسوع يقلب هذا المنطق ويقول:

“أما أنتم، فلا يكن الأمر كذلك في ما بينكم”.

إنه أمر واضح وقاطع يغيّر كل المقاييس. منطق الملكوت مختلف عن منطق العالم.

القيادة في الكنيسة ليست مكان نفوذ، بل مكان عطاء. ويضيف:

“من أراد أن يكون كبيراً بينكم، فليكن خادمكم، ومن أراد أن يكون الأول، فليكن عبداً للجميع”.

هكذا أسّس يسوع نظاماً جديداً للقيم:

العظمة الحقيقية في الخدمة،

والأوّلية الحقيقية في التواضع،

والسلطة الحقيقية في بذل الذات بالكامل من أجل الجميع.

ويختم قائلاً:

“لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم، بل ليَخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين”.

هذا التصريح الإنجيلي ليس مجرّد وصيّة أخلاقية، بل هو شريعة ليتورجية.

في الإفخارستيا لا نعيش مجرد لحظة رمزية، بل ندخل في سرّ المسيح الخادم والباذل.

على المذبح لا يتربّع المسيح كملك متسلّط، بل يتجلّى كخادم.

عندما نرفع الخبز والخمر، نُقدّم ثمار تعبنا اليومي، وتتحول حياتنا إلى عطاء وخدمة.

وبتناولنا القربان، نستقبل جسد المسيح لنصبح نحن أيضاً جسداً مبذولاً من أجل الآخرين.

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في زيارة تفقديّة الى كنيسة النبي إيليا الغيور - الدويلعة

Next
Next

‎قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني يصل إلى مطار مونتريال لبدء الزيارة الرسولية الثانية لكندا