ضرورة رفع الكلمات المهينة لكرامة الإنسان من الصلوات

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم


الإيمان شعورٌ داخلي. أَن يحسُّ المؤمن بحضورِ الله المحبة والرحمة في قلبه، حضورٌ دافئ هو أساس نموّه الشخصي إنسانيّاً واجتماعيّاً وروحيّاً ،كما عكَسه يسوع في الإنجيل. لذا ليس من الضروري ان يُبرهَن هذا الحضور بحجج فلسفية، بل أن يُعبَّر عنه بسلوك يومي يقود المؤمن الى يسوع.

يقول فيليبس لنثنائيل عندما سأله عن يسوع: “لقد وجدناه …. تعال وأنظر” (يوحنا 1/ 45 – 46). أعني تعال واختبر بنفسك. وقاده الى يسوع لأنه الطريق الذي يربطنا بالله. الديانة أساسها الإيمان وهو قبل كل شيْ حياة واختبار وممارسة أكثر منه تنظيراً وبراهين وكلاماً.

يستعمل العهد القديم صوراً والقاباً متعددة لله، بعضها لا يُحتمل، لذا غيّر يسوع الصورة والمفهوم، وعلمّ ان الله ابٌ رحومٌ، وقريبٌ ودودٌ. أليس الميلاد بحدِّ ذاته قصة الله الذي أتى الينا، ونصَبَ خيمته بين خِيَمنا كما جاء في استهلالية إنجيل يوحنا (1/ 14).

دعا يسوع في كرازته، تلاميذه والمؤمنين به الى إقامة علاقة بنوية وروحية راسخة معه وعلاقة محبة بين بعضهم البعض. والصلاة الوحيدة التي علمهم إيَّاها هي صلاة الأبناء:  “أبانا الذي في السموات، ليتقدَّس اسمك..” (متى 9/ 6-13 ولوقا 11/ 2 – 4).

من هذا المنطلق الإيماني المسيحي، نحن الذين آمنّا بالمسيح، وقبِلنا تعليمه لا يمكن أن نُدعى عبيداَ ولا قطيعاً، ولا نقبل ان تدعى أخواتنا “جوارٍ”، إنما صرنا جميعاً بيسوع المسيح أبناء وبنات الله وإخوة وأخوات عبر الابن البكر. حضور يسوع يُلغي كل فصل فئوي بين البشر على أساس الجندَر: “أنتم إخوة” (متى 23/ 8). أتمنى أن يكون التعبير أكثر وضوحاً في خطاباتنا وصلواتنا!!

جِدَّة المسيحيّة هي: أن الله أب، الله المحبة والرحمة. خلقنا، أي أولدنا أشخاصاً عقلاء وأحراراً. الله يعترف بكرامتنا وقابلياتنا الابداعية، وهكذا على الكنيسة ان تفعل… والصلاة تعبير عن هذا الإيمان بالله الآب. فيها نستنشق حضوره في المشاركة الليتورجيا ومن خلال العلاقة مع بعضنا البعض كإخوة وأخوات في غاية الفرح. إننا لسنا عبيداً، أي أرقاماً للإقطاعي الذي يملكنا كما يملك حقولاً وقطعاناً!

في حال سقوطنا في الخطيئة، وهذا يحصل بسبب ضعفنا والضغوطات الممارَسة علينا، يُنهضنا الله ويَقبلنا من جديد. انه يُعيد الينا بنوّتَنا كما نفهم من قصة الابن الضالّ (لوقا 15) الذي شعر بالحزن والكآبة بابتعاده عن أبيه. ولما قرَّر العودة، استقبله أبوه في الأحضان، ومنحه فرصة اقتناء قلب جديد وروح جديدة وكلِّ شيء جديد. المَثَل يُشيرُ الى الله الآب الرحوم.

من المؤسف أننا نجد في الليتورجيات الشرقية أحياناَ لغة ليست على ما يرام، لغة تَستَخدم بعض الكلمات المُهينة لكرامة الإنسان. أذكر منها على سبيل المثال: ارحم عبدك، واغفر لجاريتك وارعَ غنم رعيتك “التي يمكن استبدالها بـ نحن شعبك” .. وفي مثال آخر: “ونحن عبيدك الضعفاء، التعساء والناقصين والأشقياء و… ܚܢܢ ܥܒܕܝܟ ܡܚܝܠܐ ܘܚܠܫܐ ܒܨܝܪ̈ܐ ܘܕܘܝܐ. الذي يتناقض مع حقيقة أن الإنسان محور تصميم الله ليحرّره لا ليستعبده.!

كذلك استعمال مزامير غير مناسبة مثل مزمور اللعنة 137: “على أَنهارِ بابِلَ هُناكَ جَلَسْنا فبَكَينا عِندَما صِهْيونَ تَذَكَّرْنا… طوبى لِمَن يُمسِكُ أَطْفالَكِ ويَضرِبُ بِهمِ الصَّخرَة”!

أتذكر عندما كنت أدرس في فرنسا، سكنتُ عند راهبات فرنسيات وكنتُ أشترك معهنَّ بالصلاة، إستفزَّتني تلاوة هذا المزمور وقلتُ معترضاً: اني مسيحي لا أقدر أن أصلي كذا مزمور “انتقامي”… ينبغي تركه، وهذا ما حصل.

ومزامير أخرى، مثل: “أَمَّا أَنا فدودَةٌ لا إِنْسان عارٌ عِندَ البَشَرِ ورَذالةٌ في الشَّعْب” (مزمور 22/6 ). و” تَبارَكَ الرَّبُّ صَخرَتي الَّذي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الحَربَ وأَصابِعِيَ القِتال” (مزمور 144/ 1). هل الله داعشي؟

والمزمور الذي نرتّله في رتبة تكريس الزيوت، رغم أن لا علاقة له بالزيوت سوى ورود كلمة الزيت فيه: “هو كالزَّيتِ الطَيِّبِ على الرَّأسِ والنَّازِلِ على اللِّحية… النَّازِلِ على لِحيَةِ هارون على أَطْرافِ ثِيابِه. هو كَنَدى حَرْمون النَّازِلِ على جِبالِ صِهْيون” (مزمور 133/ 2-3). هذه مجرد أمثلة ويوجد غيرها..

افهم أن هذه المزامير جزء من الكتاب المقدس/ لكن لها سياقها التاريخي، الذي لم يَعُد قائماً اليوم. يتحتم علينا انتقاء مزامير مناسبة للصلاة وعدم تلاوتها بالتسلسل. ثمة مزامير تسبيح وتمجيد رائعة ومناسبة، يمكن اختيارها!…

هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد. لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

"نؤمن بكنيسة واحدة، مقدّسة، جامعة، رسوليّة"

Next
Next

مع مريم نحو العمق