اضرار جانبية

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط 

الاضرار الجانبية هي التسمية التي يطلقها المشتغلون بموضوع الحروب على الناس التي تقضي قتلا او حرقا او تحت ركام منازلها. تشمل التسمية أيضا الاضرار التي لحقت او قضت على جنى عمر الألوف المؤلفة من البشر او على الإنجازات العمرانية للمجتمعات.

بكل بساطة: اضرار جانبية...لا بل قل هامشية ولا أحد يبالي بها او يحسب لها حساب.

مطلقو القذائف والصواريخ ليسوا معنيين بمن وضعتهم صدف تعيسة في طريقهم.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وازيز الرصاص ودوي المدافع وزئير الطائرات يصم كل الآذان ويطغى على صريخ الأطفال وأنين العجزة وعويل الخائفين.

نداء الجياع لا يؤثر على حامل البندقية او ملقم المدفع او قائد الطائرة الحربية.

كم انتجت الحروب من ضحايا وكم دمرت الحروب من حضارات وخلّفت من ويلات.

مشاكل الحروب هي مشاكل ما بعد الحروب.

عندما يسكت صوت الجنون المتمثل بدوي المدافع، يوقن الجميع هول الكارثة.

يذوب الثلج ويظهر المرج، يذهب القول الشعبي في بلادنا.

عندما يشبع المتحاربون فتكاً وتدميرا، يبصرون حجم الكارثة التي صنعتها أيديهم.

فقر وبؤس وتشرد وحرمان واسر مفككة، او فنيت، ومعاقين، جسدياً ونفسياً، والقائمة تطول. عندها فقط يجلس الحكماء الذين كانوا لا صوت لهم خلال المعركة، لكي ينظروا بما يمكنهم فعله... هذا إذا لم يتولى المتحاربون أنفسهم أمور الشعوب التي دمروها.

يربط الباحثون في شؤون الاقتصاد والسياسة والاجتماع بين المجتمع الصناعي الحديث والحرب ويعتبرون ان هذا المجتمع لا يستطيع الاستمرار الا من خلال الحرب.

الحرب تستهلك آليات القتال وذخائرها وبعدها تفتح مجالات للاستثمار على قدر الدمار وما يستتبع ذلك من ضرائب ودين عام. مشروع مربح هي الحرب بالنسبة الى من لا يشبع من تكديس الثروات ولا يأبه لسفك الدماء والتفرج على الجياع.

الحرب حدث بشع في المسار الإنساني وقد جربته الإنسانية منذ بداية الحضارة بكافة اشكاله وتلقت تبعاته ولم تتعلم بعد. انه الحدث الأسوأ في مسار البشرية.

في الحرب انهيار للقيم وتصاعد للغرائز، غرائز القتل والاستغلال، واثرياء الحروب ليسوا بأفضل حال من مُسَيّريها.

لذلك لا بد من اعتبار الانهيار القيمي الذي يجتاح الشعوب خلال الحروب من الاضرار الجانبية ايضًا، لا بل الضرر الاصعب على معالجته بعد انحسار دخان القصف والفتك.

اضرار جانبية!

كم هو بشع هذا التعبير وكم ينم عن انعدام الاحترام للنفس الإنسانية والحياة والكرامات. الحرب هي أكثر الاحداث تقويضا للكرامة الإنسانية، خصوصا الحروب الاهلية التي تفتك خلالها مجموعات متوحشة بشعبها او بفئات من شعبها صنفتها على انها معادية.

أضرار جانبية؟!

من يأبه لكم أيها المسالمون الآمنون ومن يأبه لتطلعاتكم وآمالكم ومستقبلكم ومصير اولادكم. من يأبه لجنى عمركم ولمستوى حياتكم ولتَزَوُدكم بالطعام والماء والدواء. آلات الحرب الصماء لا تسمع الا نفسها ولا تأخذ تعليماتها الا من مشغلها الذي يعمل بموجب أوامر مشغليه.

أضرار جانبية!

نحن نريد ان نفعل ما نشاء او ما تمليه علينا غرائزنا واطماعنا، اما أنتم أيها الناس فنحن لسنا معنيين بما يصيبكم.

نسأل أنفسنا، هل اعتمد تعبير اضرار جانبية من اجل تفادي استعمال تعبير اضرار أساسية؟

أقل ما يقال في هذا التعبير انه يهدف الى تبرئة فاعلي الاثم بحق الإنسانية معتبرا انهم قد قاموا بهذا الضرر عن غير قصد.

محاولة ذكية، ولكنها لا تمحي من ذاكرة الإنسانية مشاهد ويلات الحروب ولا تغسل ايدي محبي الحروب من الدم الذي يلطخها.

Previous
Previous

معًا نتكاتف ونصلّي

Next
Next

يوم للسّعادة في 20 آذار/ مارس