المؤتمر العالمي السادس للجنة الإيمان والنظام في مجلس الكنائس العالمي
دعوة إلى السير معًا في وحدة ومصالحة وعدالة
قداسة البابا تواضروس الثاني في مقابلة خاصّة: "العلاقات تعزّز المحبّة والحوارات ترسّخ فهم الإيمان، ومن خلال كلاهما نصل إلى الوحدة"
خاص إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
الصور: مجلس الكنائس العالمي
أسابيع عدّة قد مرّت على انعقاد المؤتمر العالمي السادس للجنة الإيمان والنظام التابعة لمجلس الكنائس العالمي تحت عنوان "أين نحن الآن من الوحدة المرئيّة؟". حدث مسكوني تاريخي بعث الكثير من الرجاء والآمال المسكونيّة من مكان انعقاد المؤتمر في أرض الكنانة، في جمهوريّة مصر العربيّة، وبالتّحديد من مركز لوغوس البابوي في وادي النطرون، إلى العالم أجمع.
أسابيع عدّة قدّ انطوت لكن لا بدّ من التذكير في كلّ مرّة على مدى أهميّة الثمار الّتي توّجت هذا المؤتمر الّذي أُقيم بين 24 و28 تشرين الأوّل/ أكتوبر، باستضافة الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وببركة وحضور قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة.
واحة مسكونيّة أخويّة
أكثر من 400 مشارك من رؤساء الكنائس ولاهوتيّين وخبراء وممثّلين عن كنائس وجهات ومنظّمات مسكونيّة إقليميّة وعالميّة اجتمعوا خلال أسبوع للبحث عبر ملفّات وقضايا ومحاضرات وورش عمل في مسائل عديدة تتعلّق بالوحدة المسيحيّة، تحدّياتها، مستقبلها وسُبل تعزيزها.
لا يمكننا أن ننسى أن المؤتمر جاء لمناسبة الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأوّل في نيقية. لذا تناولت جلساته أيضًا جوانب عديدة من هذا المجمع محلّلة أبعاده ومنطلقة منه لدراسة الواقع الّذي تمرّ به المسيحيّة اليوم.
تميّز المؤتمر بروح مسكونيّة جامعة ترجمت قولًا وفعلًا معاني الأخوّة الإنسانيّة بين المشاركين الّذين عكسوا محبّتهم من خلال لقائهم مع بعضهم البعض مؤمنين أنّهم يسيرون معًا في رحلة إيمان وعدالة ومصالحة. من هنا، شكّل المؤتمر واحة صلاة وثقافة تمكّن المجتمعون عبرها من تبادل خبراتهم وتجاربهم وآرائهم.
دعوة للعمل معًا
في الختام، أصدر المجتمعون رسالة لا بدّ من إعادة النظر بها ودراستها والتعمّق بها حيث أكّدت أنّ المسيحيّين يتشاركون "الإيمان بالله - الآب والإبن والروح القدس - الّذي يجمعهم عبر العصور والتقاليد"، مشيرة إلى أنّ "الإيمان الثالوثي ليس مجرّد إرث يجب الحفاظ عليه، بل هو ماء حيّ يُقدّم بالقول والفعل. نحن مدعوّون ليس فقط للإيمان، بل للسير بالإيمان".
وشدّد المجتمعون أنّ الرسالة المناطة بالمسيحيّين "متجذّرة في هويّة الكنيسة ذاتها، الّتي تتمثّل مهامها في إعلان الإنجيل. لا يركّز إيمان قانون الإيمان النيقاوي على ذاته، بل يُذكّرنا بأنّ الكنيسة وُجدت لتُرسل إلى العالم... في عصرنا، يجب أن تتّسم الرسالة بالتوبة وإعادة التوجّه نحو إنهاء الاستعمار وتحقيق العدالة والمصالحة والوحدة".
ولفتت الرسالة إلى أنّ الوحدة هي أكثر من مجرّد اتّفاق: إنّها شركة... وهي تظهر "عندما نعيش معًا بطرق تُجسِّد الإيمان والرجاء والمحبّة: لا في عزلة، بل في تضامن مع المهمّشين... يُذكِّرنا قانون الإيمان النيقاوي، القديم ولكنّه دائم التجدد، بأنّنا نتشارك هبة ودعوة إلى وحدة كاملة ومرئيّة".
قداسة البابا تواضروس الثاني والوحدة المسيحيّة
عن هذه الوحدة تحدّث قداسة البابا تواضروس الثاني في مقابلة خاصّة كلّلت التعاون الإعلامي الّذي أٌنجز ضمن فعاليّات المؤتمر بين مجلس الكنائس العالمي، مجلس كنائس الشرق الأوسط، والكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة. مقابلة أكّدت على سعي الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة منذ عقود على ترسيخ تراثها والحفاظ على تقاليدها وتعزيز الوحدة المسيحيّة والمجتمعيّة من أجل مستقبل أفضل.
أشار قداسته إلى أنّه "هناك ما يُسمّى العلاقات، وهناك ما يُسمّى الحوارات بين كنائس العالم. العلاقات تُبنى لتعزيز المحبّة، محبّتنا في يسوع المسيح. وهذا ما نشهده في مجلس الكنائس العالمي، مجلس كنائس الشرق الأوسط، مجلس كنائس مصر، وكلّ الاجتماعات والمجالس الإقليميّة والوطنيّة والدوليّة...".
وأضاف "الحوارات هي دائمًا حوارات لاهوتيّة يكون لكلّ كنيسة فيها تمثيل رسمي. وتُجرى هذه الحوارات بطريقة منظّمة وفق جدول أعمال محدّد، وتهدف إلى الوصول إلى فهم موحّد قائم على الإيمان في سبيل تحقيق الوحدة".
وتابع "بذلك، يكون لدينا كلّ من العلاقات والحوارات، فالعلاقات من أجل المحبّة، والحوارات من أجل فهم الإيمان. ومن خلال كلاهما نصل إلى الوحدة. وهذا هو المسار الذي تتّبعه كنائس العالم كلّها، ونحن أيضًا نسير على هذا الطريق".
إعلام من أجل الإنسان
توازيًا مع فعاليّات المؤتمر، تضافرت الجهود الإعلاميّة المسكونيّة المشتركة بين مجلس الكنائس العالمي، مجلس كنائس الشرق الأوسط، والكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، لنقل صورة حقيقيّة عن المحبّة الّتي اختبرها المشاركون في المؤتمر. تعاون إعلامي رسّخ فعلًا الرسالة الجامعة والإيمان الواحد والإصرار على أنّ الإعلام هو ليس مجرّد وسائل وتقنيّات وإنّما رسالة أخوّة وقضيّة إنسانيّة.
أخبار، مقالات، تقارير، مقابلات وفيديوهات أصدرها كلّ من هذه الجهات الإعلاميّة المسكونيّة على صفخاتها ومنصّاتها لحظة بلحظة كي يتمكّن سكّان العالم من متابعة أعمال المؤتمر، ولو عن بُعد، ليتشاركوا هذه الخبرات المسكونيّة التاريخيّة في محطّة جديدة للحركة المسكونيّة العالميّة.
مقابلة قداسة البابا تواضروس الثاني توجّت هذا التعاون الإعلامي، وكذلك مقابلات خاصّة أخرى أُقيمت مع كلّ من حضرة القسّ البروفسور د. جيري بيلاي، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، الأسقف البروفسور د. هاينريش بيدفورد - ستروم، رئيس اللّجنة المركزيّة لمجلس الكنائس العالمي، الكاردينال كورت كوخ، عميد دائرة تعزيز وحدة المسيحيّين في الفاتيكان، رئيسة الأساقفة د. أنتجي جاكلين، رئيسة الأساقفة الفخريّة لكنيسة السويد، ورئيس الأساقفة د. سامي فوزي، رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية.
هذا إضافة إلى لقاءات إعلاميّة مع المشاركين من مختلف الكنائس والثقاقات والدول شدّدت على أنّ العيش معًا بانسجام يتطلّب علاقات هادفة ومتينة، قوامها المحبّة والأخوّة والاحترام المتبادل، والأهمّ التضامن والعمل معًا بغية ترسيخ الوحدة المرجوّة.
مسكونيًّا، لاهوتيًّا، ثقافيًّا، إنسانيًّا وإعلاميًّا، شكّل المؤتمر منصّة جامعة تبني الجسور وتقرّب المسافات وتدعو إلى السير معًا في رحلة رجاء ومصالحة وتوبة والعيش بسلام واحترام وعدالة.
لكن كلّ ذلك يحتاج إلى متابعة وصلاة وجهود متواصلة.