الشهر المريمي: واحة صلاة وسلام

تقاليد تاريخيّة تكرّم مريم العذراء

English

خاصّ: إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط

"السلام عليكِ يا مريم يا ممتلئة نعمة الربّ معكِ مباركة أنت في النساء" (لوقا 1: 28). مباركة أنت يا مريم، يا أعظم إمرأة وأقدسها! مباركة هي طاعتك وثمرة بطنك! فما أعظم أمومتك الممتلئة نعمة!

مريم العذراء، أمّ يسوع والمسكونة أجمع، هي ملكة السلام والملجأ الآمن ومصدر كلّ تعزية ومحبّة. هي الّتي تقبّلت بكلّ قلبها إرادة الله الخلاصيّة "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لوقا 1: 38)، لتصبح نموذجًا في النقاوة والطاعة والقداسة. والدة الإله وأمّ النور هي المنقذة من الشدائد، فخر البرايا وبحر العطايا الّتي منها نستمدّ كلّ قوّة ورجاء.

تكريمًا لها وتمجيدًا لمحبّتها، خصّصت الكنيسة الكاثوليكيّة شهرًا كاملًا لمريم العذراء في أيّار/ مايو من كلّ سنة. شهر يحمل الكثير من الصلوات والترانيم إلى والدة الإله، طالبين حمايتها وسائلين شفاعتها، فيتوافد المؤمنون إلى المزارات الخاصّة بها لالتماس بركتها. شهر يتّسم بالسلام والرجاء والطهارة، زارعًا في قلوب المصلّين الفرح والطمأنينة والسكينة.

لكن إلى متى يعود تاريخ انطلاق هذا الشهر المريمي المميّز؟

 

نبذة تاريخيّة

إكرام والدة الإله نشأ في روما وبالتّحديد في إحدى مدارس الآباء اليسوعيّين، وذلك من خلال أحد المدرّسين وهو الأب لالومبا. في الحقيقة، كان هذا الشهر لدى الرومان والوثنيّين مخصّصًا لعبادة إله الشرّ والدنس وفي إيطاليا كان مخصّصًا للألعاب والرقص والملاهي وهذا ما أثار الشكوك.

لذا بدأ الأب لالومبا بجمع تلامذته بعد انتهاء المدرسة للتحدّث معهم عن مريم العذراء وفضائلها والاقتداء بها خصوصًا بطهارتها. وهذا ما قام به أيضًا كُثر من المدرّسين في مدارس اليسوعيّين في روما، ومن ثمّ في سائر المدن الإيطاليّة. كما انتقل هذا الإكرام من روما إلى فرنسا ثمّ ألمانيا وإنكلترا ومن أوروبا انتشر في أميركا وآسيا الّتي تضمّ معاهد ومدارس للآباء اليسوعيّين، وبالتّالي دخل هذا الإكرام إلى الكنائس.

أمّا في العام 1815، فصادق البابا بيوس السّابع على هذ الإكرام علنًا، ودعا المؤمنين إلى المشاركة في صلوات هذا الشهر. كما أنّ البابا بيوس التاسع كان أوّل من احتفل بالشهر المريمي في كنيسة القدّيس بطرس في الفاتيكان.

علمًا أنّ هذا الشهر بدأ يأخذ أهمّيته في الشرق الأوسط على أثر عمل المرسلين والمبشّرين اللّاتين، من يسوعيّين وكبّوشيّين وفرنسيسكان ودومينيكان وآباء عازاريّين. هذا وتشير بعض المصادر إلى أنّ التقليد ليس بجديد على المشرقيّين الّذين كانوا قد بدأوا بإكرام مريم العذراء في شهر أيّار/ مايو قبل دخوله الكنيسة الغربيّة بحوالي الألف سنة.

 

صلوات وتقاليد

صلوات وترانيم وتضرّعات عديدة يرفعها المؤمنون خلال الشهر المريمي في حرارة إيمان لا تنطفئ واثقين أنّ مريم العذراء هي الشفيعة الحارة وينبوع المراحم، فينشدون بتواضع كبير صلاة "السّلام الملائكيّ" الّتي تحمل الكثير من المعاني التكريميّة لوالدة الإله.

وعلى وقع الأناشيد المريميّة "في ظلّ حمايتك نلتجئ يا مريم"، "حبّك يا مريم غاية المنى" وغيرها... تتفتّح الأزهار ويفوح عطرها في الزيّاحات التقليديّة الّتي يقوم بها المؤمنون في مختلف الدول والمناطق. يسيرون في رحلات حجّ سيرًا على الأقدام حاملين الشموع وكتب الصلوات ومزيّنين الشوارع بأصواتهم ورائحة البخور.

أمّا المسبحة الورديّة فهي من أكثر الصلوات الّتي أخذت مكانة كبيرة في حياة المؤمنين لا سيّما في الشهر المريمي، بحيث تطلب مريم العذراء بإلحاح تلاوة الورديّة المقدّسة. وهذا الإلحاح ظهر في معظم رسائلها للعالم وفي مختلف الظهورات الّتي كانت تحمل في البعض منها المسبحة الورديّة تحفيزًا على تلاوتها.

 

مريم العذراء حملت في حياتها الصبر والتضحية والحنان وتحمّلت الصعاب والمشقّات، فلتكن لنا مثالًا متوّجًا بالقداسة والنعمة والرجاء، ولنلجأ إليها في أوقات الشدّة وكلّ أيّام حياتنا لأنّها الحبّ والدفئ والأمان.

Previous
Previous

الكرادلة يواصلون اجتماعاتهم اليوميّة في الفاتيكان

Next
Next

تذكار القِدّيس أيّوب الصِدّيق الكثير الجِهاد