الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس يدعو إلى حماية المواقع الدينية وتجريم خطاب الكراهية في مؤتمر قادة الأديان

English

أستانا – كازاخستان

خلال الجلسة الخاصة بعنوان "حماية المواقع الدينية: تأملات ودعوة للعمل" ضمن أعمال المؤتمر الثامن لقادة الأديان العالمية والتقليدية في أستانا، وجّه الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس نداءً إلى مقاربةٍ مشتركة بين القادة الدينيين والدول من أجل حماية المواقع الدينية على اختلاف انتماءاتها، بوصفها جزءًا من الذاكرة الروحية المشتركة للبشرية وركنًا أصيلاً من التراث الإنساني. وأكد أنّ حماية هذه المواقع ليست امتيازًا لفئة مؤمنة دون أخرى، بل التزامٌ أخلاقي وقانوني لأنها علامةٌ على العلاقة المتواضعة بين الإنسان والخالق، محذّرًا من أنّ اندثارها يعني محو فصلٍ من الذاكرة الجماعية، ما يستدعي صونها بوصفها ذاكرة تربوية وثقافية للأجيال القادمة.

وربط البروفسور ميشال عبس بين هدم دور العبادة وخطاب الكراهية وشيطنة الجماعات الدينية من جهة، ومقدمات الإبادة الجماعية والعرقية من جهة أخرى، واصفًا هذه الممارسات بأنها تجلياتٌ لـ«ثقافةٍ مشوّهة» تُنكر كرامةَ الآخر وحقوقه. ودعا إلى احترام حرية الدين والمعتقد كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، وإلى تجريم خطاب الكراهية والتحريض على أسس دينية، مع تفعيل آليات للرصد والإنذار المبكر على المنصات الرقمية وفي الفضاء العام.

وحثّ على تنفيذ الأطر الأممية السارية، وفي مقدمتها خطة الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية (2019) وقرار الجمعية العامة A/RES/75/258 بشأن تعزيز ثقافة السلام والتسامح، مشددًا على ضرورة تحويل المبادئ إلى سياسات وطنية واضحة تتضمن جردًا محدثًا للمواقع المعرّضة للخطر مع خطط لإدارة المخاطر والوقاية، وبروتوكولات استجابة عاجلة أثناء النزاعات والأزمات، وبرامج تعليم وتوعية مشتركة تُعزّز الاحترام المتبادل وتُناهض التطرّف، وشراكات عملية بين المرجعيات الدينية والجهات الرسمية والمجتمع المدني لحراسة المواقع وصيانتها.

وعرض الأمين العام البروفسور ميشال عبس مجموعة آليات تنفيذية لمواجهة التطرف العنيف وخطاب الكراهية وحماية الذاكرة الدينية المشتركة. وتتبلور هذه الآليات في تأسيس فرق عملٍ متعددة القطاعات تضم ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الدينية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني؛ وإنشاء سجلٍّ وطني وإقليمي للمعالم المهددة يُحدَّث دوريًا بالتعاون مع المنظمات الدولية؛ ووضع خطة زمنية متماسكة للأنشطة الوقائية تمرّ بمراحل الرصد والتحليل والتدخل والتقييم؛ وإطلاق حملات توعية رقمية وإعلامية تشرح مخاطر الكراهية وأهمية صون التراث؛ وإجراء مسوحات ميدانية لتحديد المناطق والفئات الأكثر عرضة للتطرف وبناء برامج تدخل مخصّصة لها.

كما شدّد على ضرورة تطوير المناهج الدراسية لدمج التاريخ المشترك والتراث الديني في التعليم الرسمي وغير الرسمي، وتدريب فرق محلية على الصيانة والترميم مع إشراك المجتمعات في الحماية، وتخصيص ميزانيات واضحة لبرامج الوقاية والحماية مع آليات شفافة للمتابعة والتقييم، إلى جانب تفعيل التشريعات الدولية الخاصة بحماية التراث في النزاعات، ولا سيما اتفاقية لاهاي لعام 1954 واتفاقية اليونسكو لعام 1972. ودعا إلى اعتماد نموذج تعاونٍ مجتمعي يجمع البيانات، ويراقب بؤر التطرف في المدن والأرياف، ويدمج التربية المدنية في المدارس بوصفها خط دفاع أول.

وإلى جانب الآليات العملية، قدّم الأمين العام حزمة توصياتٍ عامة تُشكّل إطارًا موجّهًا لصنّاع القرار. ودعا فيها إلى بناء استراتيجية وطنية وإقليمية لمواجهة التطرف العنيف تستند إلى الحوكمة الرشيدة والتماسك الاجتماعي مع مراعاة خصوصيات المجتمعات؛ وتفعيل دور المؤسسات العامة والمجتمع المدني كشريكٍ أساسي في الوقاية والمكافحة مع إشراك المواطنين في صناعة القرار؛ ومعالجة جذور النزاعات عبر إصلاحاتٍ اقتصادية واجتماعية تُحقّق العدالة وتحفظ حقوق الأقليات؛ وإدماج التربية على المواطنة والتسامح في المناهج المدرسية والجامعية، وتدريب المعلّمين على تفكيك مفاهيم التطرف؛ وتطوير برامج إعادة التأهيل الفكري للأفراد المعرّضين للتطرف عبر الدمج بين الدعم النفسي-الاجتماعي والإرشاد الديني.

وشملت التوصيات أيضًا إطلاق منصّاتٍ مستدامة للحوار الديني والثقافي بين الطوائف والمذاهب، وتبنّي «ميثاق شرف» لحماية المعالم الدينية والأثرية؛ وحماية دور العبادة والمواقع التراثية عبر تشريعاتٍ وطنية متوافقة مع الاتفاقيات الدولية وربطها بمبادرات السياحة الدينية المسؤولة؛ واعتماد سياساتٍ تعليمية شاملة تعزّز «الأمن التعليمي» وتنمّي التفكير النقدي وترسّخ الهوية الوطنية الجامعة؛ بالإضافة إلى تعزيز التنسيق الدولي مع الأمم المتحدة واليونسكو والإيسيسكو للحصول على دعمٍ فني ومالي في مجالي الحوار وحماية التراث.

وختم الأمين العام البروفسور ميشال عبس بالتأكيد أنّ «الدبلوماسية الروحية»، متى التقت بالإرادة السياسية والمرجعية الحقوقية، قادرةٌ على تحويل حماية الذاكرة الدينية وتجريم خطاب الكراهية إلى خط الدفاع الأول ضد التطرف العنيف. ودعا إلى إعلانٍ مشترك يصدر عن الجلسة الخاصة وأعمال المؤتمر، يحدّد خطواتٍ تنفيذية واضحة وجداول زمنية وآليات متابعة وتقييم، بما يضمن انتقال التعهّدات من قاعات المؤتمرات إلى واقعٍ يحمي الإنسان وكرامته وإرثه الروحي أينما كان.

Previous
Previous

فيديو - كلمة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس في الحلقة الاستشارية حول نهج الترابط بين العمل الإنساني والتنمية والسلام الّتي نظّمها المجلس في الأردن

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط ينظّم حلقة استشارية حول نهج الترابط بين العمل الإنساني وبناء السلام في الأردن