بين حلم السلام في العالم وصون كرامة الإنسان
البابا لاون الرابع عشر يبدأ حبريّته برؤية إنسانيّة رجائيّة
الصورة: موقع فاتيكان نيوز.
إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط
فرح سماوي يعيشه المؤمنون حول العالم. فرح منتظر تجلّى بالدخان الأبيض الّذي تصاعد من كنيسة السيستين. أطلّ الحبر الأعظم الجديد وبابتسامته الحنونة بارك شعب الله الّذي ترقّب ظهوره الأوّل بشوق. إنّه روبرت فرنسيس بريفوست، أي البابا لاون الرابع عشر، أوّل بابا أوغوسطيني، الّذي يخلف اليوم البابا الراحل فرنسيس.
مسؤوليّة كبيرة تُلقى على بابا الكنيسة الكاثوليكيّة وسط عالم يشهد تقلّبات وصراعات وأحداث مؤلمة، فسكّان الأرض يتعطّشون إلى من يضمّد جراحهم ويخفّف من وطأة الأزمات الّتي تثقل كاهلهم. العالم في خطر والبابا الجديد أمام تحدّيات جسيمة، فمنذ لحظة انتخابه ووسائل الإعلام تتناول تحاليل ومعطيات تحدّد الملفّات الّتي قد يتطرّق إليها.
لكن ما صحّة المعلومات المتداولة؟ هل المحلّلون باتوا أكثر معرفة من الفاتيكان؟
الكرسي الرسولي على إدراك تام بالقضايا الآنية والطارئة الّتي يواجهها العالم، فلننتظر آخر المستجدّات الرسميّة الّتي ستصدر عنه ولنرفع الصلاة على نيّة الحبر الأعظم كي يمدّه الله بنعمه في تأدية رسالته السامية.
وها هو اليوم البابا لاون الرابع عشر يحمل راية الكنيسة الّتي لن تقوى عليها أبواب الجحيم، مستلهمًا بحياة سلفه البابا فرنسيس وأسلوبه القائم على التفاني الكامل في الخدمة، ومجدّدًا الإلتزام في المسيرة الّتي تسلكها الكنيسة الجامعة منذ عقود، مستنيرة بنور المجمع الفاتيكاني الثاني.
كرامة الإنسان أوّلًا
الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست هو الخليفة الـ 267 للقدّيس بطرس الرسول. اتّخذ اسم لاون الرابع عشر لينضمّ إلى مجموعة من 13 بابًا سابقًا حملوا هذا الإسم، فهل من دلالة على هذا الخيار؟
كشف البابا الجديد عن سبب اختياره اسم لاون الرابع عشر في لقائه الأوّل من نوعه منذ انتخابه على السدّة البطرسيّة مع أعضاء مجمع الكرادلة في القصر الرسولي. ويشرح أنّه هناك أسباب عدّة، الّا أنّ السبب الرئيس هو أنّ البابا لاون الثالث عشر قد تناول من خلال الراسلة العامة التاريخيّة Rerum novarum، المسألة الإجتماعيّة في خضمّ الثورة الصناعيّة الأولى.
من هنا، يشير قداسته إلى أنّ الكنيسة تضع اليوم في متناول الجميع تراثها في العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة كي تجيب على ثورة صناعيّة جديدة وتطوّرات الذكاء الإصطناعي، بما تطرحه من تحدّيات في سبيل الدفاع عن كرامة الإنسان، وعن العدالة والعمل.
في الواقع، جاء اختيار البابا لاسمه في زمن باتت كرامة الإنسان مهدّدة وحقوقه مسلوبة جرّاء المآسي الإنسانيّة الّتي تطرح تسؤلات عدّة، أبرزها: متى سيسترجع الإنسان إنسانيّته المفقودة؟
سؤال نضعه برسم المعنيّين الّا أنّ قضيّة الإنسان وكلّ إنسان تبقى في صلب أولويّات الكرسي الرسولي، فالحبر الأعظم ليس إلّا خادمًا متواضعًا لله وللإخوة الّذين يتخبّطون بالظلم واللّاعدالة.
نداء من أجل السلام
أمام هذا المشهد المأساوي المنغمس بالألم وخطاب الكراهية والانقسامات حول العالم، أراد البابا لاون الرابع عشر أن يعبّر في إطلالته الثانية بعد انتخابه وذلك من ساحة القدّيس بطرس، عن قربه من جميع المتألّمين والمهمّشين، فوجّه نداء من أجل السلام عقب تلاوة "صلاة افرحي يا ملكة السلام" يوم الأحد، هاتفًا في كلمته "لا للحرب بعد أبدًا".
في هذا الإطار، توقّف قداسته عمّا يجري في غزّة معربًا عن ألمه إزاء الأحداث المؤلمة الّتي تشهدها، ومطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار وبتقديم المساعدات الإنسانيّة إلى السكّان المدنيّين المنهكين وإلى إطلاق سراح جميع الرهائن.
كما أشار قداسته إلى أنّه يحمل في قلبه معاناة الشعب الأوكراني مشدّدًا على ضرورة بذل الجهود والعمل بشكل جادّ كي يتمّ بأسرع وقت ممكن تحقيق سلام حقيقي، عادل ودائم. هذا ودعا أيضًا إلى إطلاق سراح جميع السجناء وإلى إعادة الأطفال إلى عائلاتهم.
في السياق نفسه، أعرب البابا لاون الرابع عشر عن ارتياحه إزاء تلقّيه خبر إعلان وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، مؤكّدًا رجاءه أن يتمّ من خلال المباحثات المقبلة التوصّل العاجل إلى اتّفاق دائم.
إلى ذلك، تضرّع الحبر الأعظم إلى مريم العذراء، سلطانة السلام، موكلًا لها هذا النداء من أجل السلام كي تحمله إلى الربّ يسوع ليهبنا معجزة السلام.
وما من سلام حقيقي الّا من خلال تضافر الجهود والعمل بجديّة من أجل إنقاذ شعوب ما زالت تعاني الحروب والصراعات والأزمات من كلّ حدب وصوب.
ووسط كلّ هذه المآسي، أكّد البابا لاون الرابع عشر في عظته خلال القدّاس الإلهي الّذي ترأّسه مع الكرادلة في كابلة السيكستينا، أنّ يسوع المسيح، المخلّص الأوحد، يبقى الجواب الحقيقيّ لعطش الإنسان إلى المعنى والرحمة والكرامة.
وبانتظار استرجاع هذه الكرامة تبقى الصلاة أقوى من كلّ مباحثات ونقاشات وأحداث مستجدّة!