في وادي النطرون: مؤتمر المعهد اللّاهوتي المسكوني العالمي يدعو الكنائس إلى التذكّر والمقاومة وإعادة البناء وسط الاضطهاد والمعاناة
— وادي النطرون، 15 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025
في قلب الصحراء المصرية، وبين جدران دير القديس الأنبا بيشوي العامرة بروح الصلاة والتاريخ، التأم المشاركون في المعهد اللاهوتي المسكوني العالمي (GETI) التابع لمجلس الكنائس العالمي في جلسة عامة يوم 15 أكتوبر، حملت عنوان: «الذاكرة والرسالة: الكنائس تستجيب للاضطهاد والإبادة الجماعية»، وذلك ضمن فعاليات المرحلة الحضورية للمعهد، والمتزامنة مع أعمال المؤتمر العالمي للإيمان والنظام.
افتتحت الجلسة بدعوة صريحة إلى التفكير في دور الكنيسة في تذكّر آلام الشعوب، وحمل رسالة الرجاء، ومواجهة الاضطهاد بروح الإيمان والثبات.
وشارك في الجلسة الأستاذة الدكتورة غريس الزغبي، أستاذة اللاهوت في كلية بيت لحم للكتاب المقدس، وغبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك اللاتين في القدس، الذي ألقى كلمته عبر رسالة مصوّرة.
وتولى إدارة الجلسة القسّة سالي عازر من الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، والقس الدكتور غراهام جيرالد ماكغيوك، أمين الرسالة في مجلس الرسالة العالمي.
تناولت الدكتورة الزغبي في عرضها الأكاديمي والروحي واقع التمزّق والنزوح والإيمان الصامد للمسيحية في الشرق الأوسط، في ضوء الذاكرة المسيحية العالمية، مؤكدة أن تراجع المسيحية في المنطقة يتجاوز الأرقام إلى العمق اللاهوتي.
وقالت:
«لقد كانت هذه الجماعات يوماً ما فاعلاً حيوياً في الحياة الكنسية والاجتماعية المتنوعة في المنطقة، إلا أنها تواجه اليوم تآكلاً يهدّد ليس فقط استمرارها الكنسي، بل استقرار مجتمعات الشرق الأوسط برمّتها. فالمسيحية هنا، المتجذّرة في تراث تاريخي وثقافي عريق، أصبحت أكثر فأكثر مطبوعة بعلامات التشتّت».
وأضافت:
«إن تراجع المسيحية في الشرق الأوسط ليس مجرد أزمة عددية أو ديموغرافية، بل هو جرح لاهوتي عميق يضعف قدرة الكنيسة على الثبات والتعدّدية والاستمرارية».
ودعت الزغبي إلى تجديد التعليم كأداة لإعادة البناء، مؤكدة:
«محلياً من أجل الحفاظ على التراث، وإقليمياً لتوطيد أواصر التضامن، وعالمياً لإعادة دمج الأصوات المنسية في الوعي المسيحي العام».
وفي مداخلة مسجلة، عبّر غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا عن أمله في أن تكون الخطوة الأولى التي تحققت بين حركة حماس والحكومة الإسرائيلية بداية لمرحلة جديدة من التفاهم، واصفاً إياها بأنها «خطوة مهمّة».
وقال الكاردينال:
«ندرك أننا كنّا في حاجة إلى هذا. أعلم أننا هنا لنتحدث في اللاهوت، لكن اللاهوت يجب أن يتجسّد في الواقع الذي نحياه».
وأشار إلى أن الوضع لا يزال مأساوياً، خصوصاً في غزة، لكنه شدد على ضرورة الفرح بأي بادرة أمل، قائلاً:
«أي تقدّم ولو بسيط يمكن أن يشكّل بداية لتجاوز الكراهية والإقصاء».
كما حذّر من «تعليم الازدراء» الذي يغذي الانقسام وينزع الإنسانية من الآخر، داعياً إلى نشر ثقافة الحوار والمصالحة وبناء سلام حقيقي يقوم على العدالة والاحترام المتبادل.
اختُتمت الجلسة بروح من التأمل والصلاة، فيما عبّر المشاركون عن تقديرهم العميق للكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تحتضن هذه الفعالية المسكونية الكبرى في أحد أقدس مواقعها الرهبانية.
وأكدت المداخلات أن الكنيسة مدعوّة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تتذكّر جراحها، وتقاوم الشرّ بالإيمان، وتعيد بناء رسالتها في العالم بروح الرجاء.
بهذا، جسّد مؤتمر GETI في وادي النطرون لقاءً بين الذاكرة والتجديد، بين الألم والرجاء، بين شرق متألم وغرب متضامن، ليؤكد من جديد أن الإيمان المسيحي لا يُقهر ما دام متجذراً في المحبة والرجاء والصدق مع اللّه والإنسان.
هذا الخبر نُشر على صفحة Ecumenical News على موقع فيسبوك.