بيت عنيا، العائلة المُختارة: شهادة مؤثرة للإيمان

بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط،

وبَينَما هُم سائرون، دَخَلَ قَريَةً فَأَضافَتهُ امَرَأَةٌ اسمُها مَرتا. وكانَ لَها أُختٌ تُدعى مَريم، جَلَسَت عِندَ قَدَمَي الرَّبِّ تَستَمِعُ إِلى كَلامِه. وكانَت مَرتا مَشغولَةً بِأُمورٍ كَثيرَةٍ مِنَ الخِدمَة، فأَقبلَت وقالت: يا ربّ، أَما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتني أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني، فأَجابَها الرَبُّ: مَرتا، مَرتا، إِنَّكِ في هَمٍّ وارتِباكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مع أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد. فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها“.

(لوقا 10/ 38-42)

كان ليسوع أصدقاء حقيقيون يتواصل معهم بمحبة وفرح، فالصداقة تأتي من الصدق، أي الثقة المتبادلة والإخلاص، ويُعبَّر عنها بمواقف غير مشروطة قد تقود الى التضحية بالنفس، لأن الصديق يعتبر صديقه جزءًا منه. ويعرض لنا إنجيل لوقا صداقة يسوع مع عائلة بيت عنيا.

نجد الأختين مريم ومرتا في مشهد يُعبّر عن صداقة عميقة ومكثَّفة. وهل هناك علاقة أعمق من إقتسام طعام المحبة حتى لو كان خبزاً وملحاً؟ أمَا تشيرُ عبارة “العيش المشترك” الى إقتسام الخبز (العيش)؟

بيت العائلة الصغيرة يقع في قرية بيت عنيا (بيت الألم)، التي حوَّلها يسوع بقيامة لعازر الى بيت القيامة والحياة. انها على بعد بضعة كيلومترات من القدس- اورشليم.

مرتا الأخت الكُبرى هي التي بادرت الى دعوة يسوع. ومريم هي الصُغرى (بعض مفسّري الكتاب المقدس يعتقدون انها المجدلية؟)، وبالتالي، تقع على عاتق مرتا، بصفتها الأكبر، مسؤولية المنزل.

 يعبّر إنجيل لوقا بنقله هذا الحدث عن تعليم مِحوَري جديد للغاية، يفتح لكل مؤمن آفاق حياة روحية أصيلة. هذه العلاقة تبادلٍ “قلبي” بين يسوع والانسان. ومهما بلغت خطيئته فهو مَدعو بالنعمة إلى أن يُصبح إبناً/ إبنة لله. هذا ما عاشته مريم التلميذة “التي تُصغي” الى يسوع. هذا التعليم يتخطى الممارسات الطقسية التقليدية.

 العلاقة المختارة

موقف مرتا، المنشغلة بإعداد ضيافة المائدة والطعام، يُحاكي موقف مريم التي أختارت الجلوس عند قدمي الرب لِتُطَهِّرَ كلماتُه روحَها، من أثر أي دَنَس. هكذا تُؤدّي كلٌّ من الأختين دورهما “الصالح”. لكن دور الأخيرة هو الأثمن بلا شك، إذ يتمثّل في الدخول بعلاقة صادقة مع ابن الله؟

تُصوّر القصة التي يرويها القديس لوقا هنا اُختَي لعازر الشهير، الذي شعر يسوع تجاهه بصداقة عميقة فأقامه: يقول يسوع لتلاميذه: “إِنَّ صَديقَنا لَعازَرَ قد مات… أذهبُ لاُقيمُه” (يوحنا 11/ 11). يُشكّل لعازر ومرتا ومريم، عائلةً صغيرةً مُترابطةً، تتمتع بمكانة إجتماعية مرموقة، لكن هذه المكانة لم تمنعهم، من ترك كل شيء لحمل البشارة الى الآخرين.

مرتا تتوجه الى يسوع بدل أن تتوجه مباشرة الى مريم: “يا رب، ألا يهمّك انَّ اُختي تركَتني أخدُمُ وحدي؟ قل لها ان تساعدني” (لوقا 10/ 40). وياتي توضيح يسوع ببساطة ليُفهمها عن نوع العلاقة الجديدة التي يرغب بإقامتها مع كلٍّ من تلاميذه: علاقة حبّ إختارتها مريم بالفعل، لكنه يؤكد ان لكل من الاُختين: موهبتها في التعبير عن محبتها والتلمذة له واتباعه بطريقتها الخاصة. هذا ما يجب أن نكتشفه!

 طريقة مريم حسنة فهي التلميذة التي تريد ان تستفيد من حضور يسوع للتعلم أكثر وأكثر. وموقف مرتا هو الآخر جيد من خلال تهيئة بيتها بهذه الحماسة لاستقبال يسوع الذي بدأت هويته كابن الله تتجلى. لذلك تخاطبه “يا رب”. انها تُولي عناية فائقة لإعداد البيت والطعام بشكل يليق به. من خلال عملها المُفعم بالصداقة، تُحوّل مارتا بيتها، الى جوهرة، الى عش صغير. ويجب أن يُفهم أن ما تُوبّخ عليه مريم ليس كسلاً على الإطلاق، بل لعدم قيامها بما يُمليه التقليد عند استقبال زائرٍ بهذه الأهمية في منزلها. مريم “اختارت النصيبَ الأفضَل ولن يُنزَعَ منها (لوقا 10/ 42) النصيب الأفضل مُتاح لكلٍّ منا.

قيامة لعازر (يوحنا 11/ 1-45)

نلاحظ تبَدُّل الأدوار في مرض لعازر، مرتا هي التي تُبادر الى إستقبال يسوع وهي التي تتحاور معه، بينما مريم جالسة في البيت.

ثقة مريم ومرتا بيسوع عالية. قالت مرتا ليسوع: “يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي” (يوحنا 11/ 21). كل واحد مِنّا هو من يُحبُّه الله / يسوع. وكل واحد مِنّا مريض وجريح بحاجة اليه. هذا الوعد، الرجاء مُنْقَوشٌ بإسم لعازر نفسه: “الله يُعين“.

هذه العائلة أيقونة إنسانيّة وإيمانيّة

هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة.

Previous
Previous

تأمل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: عيد انتقال السيدة العذراء 2025

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو في عيد انتقال مريم العذراء الى السماء: ليكن الإقتداء بها مشروع حياتنا