عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي، الأحد 1 آب/ أغسطس 2025، في كنيسة مار جرجس إهدن.


"من أراد أن يتبعني، فليزهد بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24).

1. وقعت دعوة المسيح هذه في قلب الطوباويّ اسطفان الدويهيّ، الذي تجمعنا هذا المساء، عشيّة ذكرى مولده في 2 آب 1630. لم تكن هذه الدعوة، بالنسبة إليه، عابرة، بل كانت دعوة حياة. الزهد هنا لا يعني انكار الذات لمجرّد التقشف، بل هو التحرّر من عبودية الأنا، والارتقاء الى حبّ الله من دون قيد. الزهد الحقيقي هو بداية السير على درب المسيح، حيث يصبح حَملُ الصليب طاعةَ محبّة، لا خضوعًا قاسيًا. الطوباوي البطريرك اسطفان زاهد بنفسه، وحمل صليبه، وتبع سيده بثبات في جميع مراحل حياته.

2.يسعدني أن أحييكم جميعًا، وقد توافدتم من كل مكان، للاحتفال معنا بهذه الليتورجيا الالهية التّي نكرّم فيها ذكرى مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي، ابن هذه المدينة اهدن، منبتِ البطاركة العظام والاساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين، وأرضِ رؤساء الجمهوريات، ورجال الثقافة والسياسة والشأن العام.

3. الطوباوي البطريرك كان لاهوتيًا متبحّرًا في العقيدة، كنسيًا في العمق، مؤرخًا دقيقًا،كاتبًا غزيرًا، ورجلًا يوازن بين الايمان والعقل، بين التقليد والتجدّد. وكان مربّيًا للاجيال، ورائدًا في الدفاع عن الهوية المارونية، ومقاومًا لكل محاولة تفتيتٍ أو تشويهٍ. عاش كاهنًا قديسًا، وأسقفًا ورعًا مثقّفًا، وبطريركًا مدبّرًا شجاعًا، فأعلنته الكنيسة طوباويًا، واليوم نواكب بالصلاة دعوى رفعه قديسًا فوق المذابح في كنائس العالم.

4. وُلد في زمن الشدائد والانقسامات، فحمل شعلة الايمان والعِلم، وتربّى على التقوى والصلابة في الرؤية. عاش في روميه، وتثقّف في جامعاتها، لكنه ظلّ أمينًا لتراث كنيسته المارونية، وعاد ليصير أسقفًا وبطريركًا في أحلك الظروف، وراح يكتب ويحفظ ويدوّن، حتى صار حارس التاريخ واللاهوت والليتورجية في الكنيسة المارونيّة، حافظًا لتراثها، ومجددًا لليتورجيتها، ومؤسسًا لهويتها الحديثة.

ان الكنيسة المارونية حين تقرأ سيرة قديسيها، لا تفعل ذلك لتذكرهم فحسب، بل لتستدعي حضورهم الحيّ، وتعيد تقديمهم كشفعاء وقدوة. ففي قداس اليوم، نرفع صلاتنا شاكرين الله على نعمة الدويهي، وملتمسين شفاعته من اجل كنيسة لبنان، وشعبنا المؤمن، ومؤسساتنا الروحية، ليبقى نورُ الايمان متقدًّا وسط ظلمات هذا الزمان.

5. كيف نذكر الدويهي، ولا نتذكّر رسالته الوطنية؟ كيف نحتفل به وننسى انه كان رجل دولة بامتياز، يكتب الى قناصل الدول، ويرعى شعبه في زمن الفقر والاحتلال؟

لقد كان صوتًا حرًا في وجه القهر، وراعيًا جسورًا في زمن الانقسامات. كان يرى ان البطريركية المارونية ليست فقط مسؤولية كنسية، بل رسالة وطنية، وصوتًا للكرامة، وجسرًا للوحدة…

إضغط هنا للإطّلاع على الصور.

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

في مَثَلٍ الابن الضال: رحمةُ الله لا تطلب سوى التوبة

Next
Next

بيان صادر عن بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس حول الاعتداءات المتكرّرة التي تستهدف بلدة الطيبة