في مَثَلٍ الابن الضال: رحمةُ الله لا تطلب سوى التوبة

بقلم غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط،

         الرحمةُ هِبةٌ تُعَبِّرُ عن الحُبّ، يَمنحها الله للجميع لإستعادة كرامة الروح الإنسانية. هذا هو “الدرس العميق” من مَثَلِ الابن الشاطر الذي ينقله الإنجيلي لوقا (15/ 11-26). الكل مدعو للعودة الى الربّ: “فيستجيب لهم ويشفيهم” (اشعيا 19/ 22).

نحن أمامَ نصٍّ إنجيليٍّ رائع، سنقرأه ونتأمل فيه الأحد القادم، الثاني من زمن الصيف. المَثَل يعكس حالة العلاقات على الصعيد الشخصي والعائلي والاجتماعي من خلال ثلاثة مواقف متباينة ومتناقضة. هذا يحصل اليوم في عائلاتنا أيضاً. المَثَل يهدف إلى ترميم ما تَهدَّم في العلاقات وشفائها، من خلال التوبة الصادقة.

 البَطَلُ في المَثَل هو الوالد الرحيم الذي يعكس صورة الله الآب غزير الرحمة. ما يريد يسوع أن يُظهرَه لنا هو رحمة الله. للتوضيح، ضَرَبَ مَثَلْ “الابن الضّال“، الذي نُطلق عليه نحن الشرقيين الإبن الشاطر، أي الذي شَطَرَ- قسَّمَ ميراث أبيه الذي لا يزال على قيد الحياة.

لكن العنوان الأكثر دقة يجب ان يكون:

“مَثَلْ الوالد الرحيم”

هذا الوالد أيقونةُ حبّ رائعة

نقي، صريح، صادق، صَبور، مُنفتح، متواضع، رقيقُ القلب، وضميرٌ إنسانيٌّ. يحبُّ أولاده (يموتُ عليهم كما نقول في اللغة الدارجة)، ويريدهم سعداء.

يحزن عليهم عندما يخطأون، وعند اعتذارهم يعانقهم، بالرغم من الألم.

عَبَّرَ عن ذلك من خلال الوليمة الفاخرة التي أعدَّها له، والملابس الجميلة التي عبَّرت عن البنوّة. ومحاولته إقناع الابن الأكبر (الزعلان) للمشاركة بفرح عودة أخيه!

وجود أشخاص صالحين مثل هذا الأب مهم جداً

ليُحرّك الرحمة في مجتمع مضطرب كالذي نعيش فيه

يعكس العنوان بوضوح المَقصد من المَثَل. عند المَصالح تسقط المباديء والأخلاق.

يُميّزُ المَثَل بين نوعيِّ الخطيئة الموصوفة فيه. الواحدة تُنير الأخرى

الخطيئة التي يُدان بها الابن الأصغر، هي مخالفة الشريعة، اذ أن تقسيم الورث يتمّ بعد وفاة الوالد وليس قبله، مثلما كان معمولاً به في قرانا المسيحيّة أيام زمان. الأب هو الضامن وموحّد العائلة.

الخطأٌ الأشدّ جسامة، هو ما ارتكبه الابن الأكبر الذي يبين ظاهرياً احتراماً للشريعة، لكنه في الواقع معاكسٌ لها تماماً.

الإبنان يحتاجان إلى رحمة الوالد

لتُخرجهما من الأوضاع السيئة التي أوقعا أنفسَهما فيها

 الابن الأصغر، الذي انزلق إلى حياةٍ من المجون والفجور، لم يُجبره على الخلاص منها سوى العوَز. الأمر نفسه ينطبق على الأخ الأكبر الذي قيدّه الجشع والحسَد من خلال تركيزه على زيادة ثروة الاُسرة، ورفضه بشدة أن يُشاركه فيها أخوه، ولا يقبل ان يُسميَّه أخاً!

لكي نفهم تماماً معنى الرحمة، من المهم أن نعي انها مجانيّة…

هذا المقال نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

تأمل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثامن عشر من زمن السنة العادي (ج)

Next
Next

عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي في مولد الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي