تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا للأحد الثالث من زمن المجيء - السنة أ
تجدون في التّالي تأمّل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، في الأحد الثاني من زمن المجيء - السنة أ، الأحد 7 كانون الأوّل/ ديسمبر 2025.
متّى 11-2:11
أوّل ثمار الملكوت الآتي هي أن يتولد في قلب من ينتظره تساؤل.
ليس جوابًا جاهزًا، ولا يقينًا مطلقًا، بل أسئلة تفتح الطريق ومسالك لنمضي فيها.
ينشأ السؤال في قلب من ينزل إلى الأردن ليعتمد، والذي أمام دعوة يوحنا المعمدان يتساءل: ماذا يجب أن أفعل؟ (لوقا 3:10). وينشأ السؤال أيضًا في قلب يوحنا نفسه، الذي يندهش من الطريقة التي يظهر بها المسيح، مخالفًا كل توقعاته.
أوّل سؤال ارتفع في قلب يوحنا عند المعمودية، حين دهش وقال ليسوع: "أنا مُحتاجٌ أنْ أعتَمِدَ مِنكَ، وأنتَ تأتي إلَيَّ "(متى 3:14)، وأما السؤال الثاني، نجده في إنجيل اليوم (متى 11:2-11)، حين أرسل يوحنا المعمدان، وهو محبوس في السجن، تلاميذه إلى يسوع ليسألوه: هل أنت هو المنتظر، أم ينبغي أن ننتظر شخصًا آخر؟ (متى 3:3).
دعونا نتوقف عند هذا السؤال، ففي زمن المجيء حيث يُطلب منا أن نعد الطريق للرب الذي يأتي، فإن أول خطوة يجب أن نقوم بها هي أن نطرح الأسئلة الصحيحة على أنفسنا.
فالسؤال هو ما يجعل بداية الطريق ممكنة، ويُمهد للتجديد، السؤال وحده لا يكفي لإحداث التغيير، لكنه يمهّد الطريق، وبعد ذلك تأتي خطوات أخرى، وهم: الاختيار، الإرادة، والمثابرة. لكن كل شئ دائمًا يبدأ بسؤال.
يولد سؤال يوحنا من الاختلاف بين ما توقعه وما يراه في يسوع، الذي كان يسمع عنه وهو محبوس في السجن، فلم يكن سؤاله "من أنت؟" مجرد فضول، بل كان يسأل: "هل أنت حقًا المسيح المنتظر، الذي يبدأ الملكوت؟"
لقد بشر يوحنا بمسيح عظيم، يجلب الدينونة والعدل، لكنه يجد نفسه في السجن، ويكتشف أن يسوع يسير بطريقة مختلفة تمامًا عن توقعاته.
يسوع يقابل هذا التساؤل بفهم ورحمة، لا يجيب مباشرة، لا بالإيجاب ولا بالنفي، بل قدّم مسارًا، طريقًا! يجب أن يُسلكها الإنسان ليتمكّن من التعرف عليه وعلى عمل الملكوت في حياتنا، فالطريقة تعتمد على فعلين أساسيين في حياة الإيمان: السمع والرؤية.
فيسوع يجيب رسل يوحنا بأن يبلغوا يوحنا بما يسمعونه ويرونه: "اذْهَبُوا وَأَخْبِرُوا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعُونَ وَتَنْظُرُونَ" (متى 11:4)
إذا توقف الإنسان عند رؤية الأمور فقط، فإنه قد ينصدم، لأن أعمال يسوع ليست أعمالًا كبيرة أو ثورية: فهو لا يدمر الأشرار، ولا يزيل الألم، وفي النهاية سيُدان ويُصلب ظلماً.
فوفق تصور يوحنا المعمدان ليسوع، فإن يسوع يقوم بأفعال غير متوقعة من معلم أو مرسل من الله: يجلس مع الخاطئين، يلاعب الأطفال، يتحدث مع النساء، ليس هذا ما كان الناس يتوقعونه من شخص يمسك بالمعول لتنظيف محرابه ويحرق القش بنار لا تطفأ. (متى 3:12).
وهنا يسوع يتحدث عن هذا الاستغراب في الآية 6: "طوبى لمن لا يعثر في"…
هذا التأمّل قد نُشر على موقع بطريركيّة القدس للّاتين، لقراءة النصّ كاملًا إضغط هنا.