مريم في الانجيل الحلقة 4: الايمان هو الذي يحكم، وليست القرابة الدموية

1. متى 12/ 46-50 من هي امي ومن هم اخوتي؟

تأتي عائلة يسوع اثناء ما هو يعلم، وتريد امه واخوته الواقفون خارجاً ان يكلموه!

نلاحظ انهم خارج حلقة التعليم، وانهم قاطعوه وهو يعلم. مشهد غريب! يمتعض يسوع لهذه المقاطعة وينظر اليهم ويعنّفهم: “مَن أُمِّي ومَن إِخوَتي؟ ثُمَّ أَشارَ بِيَدِه إِلى تَلاميذِه وقال: “هؤلاءِ هم أُمِّي وإِخوَتي. لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات هو أَخي وأُختي وأُمِّي” (متى 12/ 49-50).

 يوضّح يسوع بقوة ان العلاقة الحقيقية معه هي الارتباط بالله وبه، لذا ينبغي العبور من الانساني الى الالهي. هذا التسامي العميق هو قاعدة التلمذة، وعلى المؤمنين به اكتشافه والارتقاء اليه.

التسامي بحسب الكتاب المقدس هو الحب اللامتناهي. من المؤكد ان مريم كانت قد اكتشفت هذا السرّ الالهي، ومجيئُها اليه مع اقربائه مقصودٌ، ليس لامر عائلي أرادوا ان يناقشوه فيه، انما تبتغي ان يتعرف اقرباؤه عليه عن كثب وبالحق، وان يكتشفوا (ونحن ايضاً) هذه العلاقة الحقيقية التي اختبرتها بنفسها.

هذا هو التحدي الكبير للمؤمن، فهو يحتاج الى نور داخلي حتى يتعرف بعمق على المسيح ويؤمن به ويحبه بشغف ويتبعه بأمانة. بهذا الارتقاء الروحي يمكنه مشاركة حياته ورسالته، فتغدو له مصدر سلام وبهجة. هذا يتطلب مساحة من الاصغاء والتأمل والصلاة والتطبيق. هذا ما تعنيه كلمات يسوع: “ليسَ مَن يَقولُ لي: يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات (متى 7/ 21). ماذا أكثر من هذا الوضوح؟

الارتقاء – التسامي دعوة لكي يبقى المسيحيون فعّالين في مسيرة الكنيسة والمجتمع على مثال مريم.

 

2.مريم في عرس قانا (يوحنا 2/ 1- 9): سيدة الخمر الجديدة:مهما قال لكم فافعلوه“ انها رسالة رجاء

هذا النص من إنجيل يوحنّا يدلُّ على أن يسوع واُمَّه وتلاميذَه لم يكونوا غريبينَ عن حياة عامة الناس، بل كانوا يشاطرونَهم أفراحَهم من دون تعقيد. وذكر الانجيلي يوحنا هذا الحادث لاهمية حضور يسوع الى جانب مريم هذا العرس، بركة للعريسين، فسرّ الزواج المسيحي يختلف عن الزواجات المدنية: “انه سرّ عظيم (أفسس 5/ 32).

حضور يسوع ومريم متلازمان. عينها ساهرة علينا. تنتبه الى ازمة نفاذ الخمر، فتنظر الى أهل العرس وتسعى لانقاذ أصحاب الدعوة من المأزق. في هذه اللحظة الحسّاسة وجَّهت نظرها الى يسوع بحنان لتقول له: “ليس لهم خمر (يوحنا 2/ 3)، هنا يأتي دور مريم كشفيعة لنا. انها تشعر بِحَرَجِ العرسان، وتَعهَد بهما إلى إبنها. هكذا ثقتها مطلقة وشفاعتها فعّالة: “مهما يقول لكم فافعلوه”. كلامها موجَّهٌ إلينا أيضاً. مريم هنا هي “المرأة والأُمّ الجديدة” للخليقة الجديدة، وإذا كانت فعّالة في العرس الأرضي فهي فعّالة في العرس السماوي. أمام موقفها الوالدي (الاُمومي) البارع، نقف مندهشين…

هذا المقال نُشر على موقع البطريركية الكلدانيّة في بغداد، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

مريم في الانجيل 5: تحت الصليب (يوحنا 19/ 25- 27): أفقٌ جديدٌ

Next
Next

الثمار الحلوة، بقلم: قداسة البابا تواضروس الثاني