السلام مع الخليقة. دعوة إشعيا النبوية
بقلم مدير دائرة الشؤون اللّاهوتيّة والعلاقات المسكونيّة في مجلس كنائس الشرق الأوسط الأب د. أنطوان الأحمر
"ألقَصْرُ يَهْجُرُهُ سَاكِنُوهُ… لكِنَّ الرُّوحَ تَفِيضُ مِنَ العَلاءِ، فَتَصِيرُ البَرِّيَّةُ جَنَائِنَ وَالجَنَائِنُ تُعَدُّ غَابًا… وَيَحِلُّ شَعبِي في مُقَامِ السَّلامِ، وَحَيْثُ الطُّمَأنِينَةُ وَالرَّاحَةُ وَالهَنَاءُ." (إشعيا 32: 14-18)
يدعونا موسم الخليقة إلى إعادة اكتشاف دعوتنا كأمناء على خليقة الله، وكلام إشعيا النبوي يتوجّه مباشرة إلى واقعنا اليوم. فهو يصوّر عالمًا يتحوّل: أراضٍ كانت قاحلة تجدّدت، ومدن مهجورة أُعيد إحياؤها، وروح الله يُسكَب ليمنح العدل والسلام والهناء.
تبدو هذه الدعوة النبوية ملحّة بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث تركت الصراعات والحروب جراحًا عميقة في البشر كما في البيئة. فقد احترقت الغابات، وتُركت الأراضي الخصبة، وتلوثت الأنهار، وتعرض التنوّع البيولوجي للتهديد. ومع تفاقم شُحّ المياه، وتزايد حدّة تغيّر المناخ، وازدياد النزوح، أصبحت الطبيعة الضحية الصامتة للعنف البشري.
في هذا السياق، ترتفع أصوات قادة كنائسنا داعيةً إلى التوبة والرجاء والوحدة. ففي دعوته إلى زمن الخليقة، يذكّرنا البابا تواضروس الثاني قائلًا: "إن الطريقة التي نتعامل بها مع الخليقة ومع بعضنا البعض تطغى عليها حرب بين البشر وحرب ضد الخليقة. نحن بحاجة إلى التوبة". ومن القدس، يرفع المطران حسام نعّوم صلاته قائلًا: "في وسط العنف، نصلّي من أجل السلام والعدل والمحبة لتوحيد الشعوب". وفي خدمة الصلاة المسكونية في الأوّل من أيلول، منح البطريرك الماروني البركة للمشاركين فيها مع هذه الدعوة: "عيشوا في سلام مع الخليقة ومع كل إنسان، محترمين كرامته وقدسيّته. إن تمجيد الخالق يمرّ عبر السلام الذي نبنيه مع الذين خُلقوا على صورته."
يُذكّرنا إشعيا بأن السلام والعدل وتجديد الخليقة أمور لا تنفصل: " وَمَعَ العَدلِ يَجِيءُ السَّلامُ، وَمَعَ الحَقِّ دَوَامُ الرَّاحَةِ وَالأمْنِ." (الآية 17) . فبدون عدلٍ بين الشعوب، لا يمكن أن يكون هناك تجديد للأرض؛ وبدون تجديد للأرض، لا تستطيع الحياة الإنسانية أن تزدهر.
وفي إطار رسالته، يساهم مجلس كنائس الشرق الأوسط في هذا النداء من خلال مبادرات عدّة خلال موسم الخليقة وطوال السنة. فقد كان هذا الموضوع في صميم التأملات والمداولات الأخيرة، ولا سيما خلال اجتماع الشركاء الأخير الذي جمع منظمات من مختلف أنحاء العالم. وفي لبنان، ستُقام خدمة صلاة مسكونية تجمع مجموعات الكشافة المتنوعة لتشهد على وحدة المسيحيين وحرصهم على رعاية الخليقة. وفي القاهرة، في 10 و11 تشرين الأول/أكتوبر 2025، ينظّم المجلس مؤتمرا حول اللاهوت البيئي، يجمع لاهوتيين وقادة كنائس وفاعلين بيئيين للتفكير في العدالة البيئية وإلهام العمل المشترك. كما تُنظَّم أيام بيئية في لبنان والأردن، تتخللها حملات تشجير، وصلوات، وحملات توعية لتعزيز الالتزام العميق برعاية خليقة الله.
(الصور: تأمل في موسم الخليقة خلال اجتماع شركاء المجلس في 11 ايلول/سبتمبر 2025)