السلام مع الخليقة: ضرورة ملحّة وواجب إنساني

البيئة تصرخ وجعًا وموسم الخليقة يدقّ جرس الإنذار!

English

إعلام مجلس كنائس الشرق الأوسط

"مع كلّ السماوات ننشد مجدك، مع كلّ سحابة تنشر لطفك، مع كلّ النيّرات ترفع سبحك، مع كلّ المخلوقات سأهتف: إلهي يا ما أجملك، ما أعظم اسمك في الأرض كلّها...". ما أعظم جمال بيتك يا اللّه وما أعظم عمل يديك!

مع القدّيس فرنسيس الأسّيزي، شفيع الإيكولوجيا، ونشيد المخلوقات نسبّح الربّ ونمجّده ونشكره على عطاياه ونفرح بمخلوقاته. لكن مهلًا! هل نفرح فعلًا بمخلوقات اللّه وخليقته تئنّ وجعًا؟ هل حقًّا نسمع صرخة الأرض وكلّ ما فيها؟

في الواقع، بات بيتنا المشترك مهدّد بالخطر! حقيقة مرّة لا يمكننا التغاضي عنها لا سيّما وأنّ خليقة اللّه تواجه اليوم تحدّيات بيئيّة جمّة جرّاء أزمات مناخيّة واجتماعيّة وإنسانيّة واقتصاديّة عديدة ترخي بظلالها على كوكب الأرض.

يأتي "موسم الخليقة" بين الأوّل من أيلول/ سبتمبر والرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر من كلّ سنة ليدقّ جرس الإنذار رافعًا الصوت عاليًا وداعيًا الجميع إلى الصلاة والعمل الجاد لحماية البيئة والحفاظ على الخليقة.

"السلام مع الخليقة" هو موضوع "موسم الخليقة" للعام 2025. سلام مرجوّ يتوق إليه أبناء الشرق الأوسط والعالم، فالإلتفات إلى القضيّة البيئيّة أصبح اليوم ضرورة ملحّة من أجل السير نحو هذا الطريق السلامي، نحو الحقّ والعدل والاستقرار.

 

سلام غائب

اللّجنة التوجيهيّة المسكونيّة لـ"موسم الخليقة"، والّتي تضمّ مجلس كنائس الشرق الأوسط من بين أعضائها، اختارت موضوع "السلام مع الخليقة" وشعار "حديقة السلام" إنطلاقًا من سفر إشعيا 32: 14-18.

بحسب دليل "موسم الخليقة" لهذه السنة، والّذي قام مجلس كنائس الشرق الأوسط بتعريبه كما جرت العادة سنويًّا، تشرح المعطيات أنّ النبي إشعيا يقدّم في إصحاحه خليقة خربة تفتقر إلى السلام خصوصًا مع تفاقم الظلم وانقطاع العلاقة بين اللّه والبشريّة.

ومن خلال صورة المدن المدمّرة والأراضي القاحلة يظهر النبي إشعيا ما يمكن أن تخلّفه الأنشطة البشريّة على الأرض. هذا عدا عن صورة الحيوانات الّتي باتت تتنقّل بسهولة وتستولي على أماكن كانت مسكنًا للبشر، "كما لو أنّ الاستيطان البشري حرمها من المساحة الكافية لها".

علاوة على ذلك، يوضح دليل "موسم الخليقة" أنّ تصميم اللّه للخليقة يرتكز على العدل والسلام لكن خطيئة الإنسان تعيق ذلك واضعة الخليقة في حالة من الخراب. من هنا، يصف النبي إشعيا مدى تأثير غربة الإنسان عن الخليقة. كما أنّ صورة البرج والقلعة المهجوران والمدمّران في إصحاح إشعيا يرمزان إلى أنّ "اللّه يُحبط الحربَ في نهاية المطاف". في هذا الإطار، يلفت الدليل إلى أنّ "السلام هو أكثر من مجرد غياب الحرب".

في الحقيقة، تواجه الخليقة اليوم أنشطة بشريّة عديدة أدّت إلى تدميرها خصوصًا مع أنماط الحياة غير المستدامة، والاستهلاك المفرط، والتلوّث المستمرّ، وثقافة الإسراف محليًّا وعالميًّا. لذا يشير الدليل إلى أنّ "اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تتّخذ بعض الأنشطة البشريّة شكل حرب على الخليقة".

 

دعوة إلى السلام

وسط كلّ الأزمات البيئيّة الّتي تستفحل يوميًّا، وفي ظلّ موجة الظلم الّتي تشهدها الأرض، يبقى السؤال المشروع: هل نسي الإنسان أنّه مدعوّ لعيش السلام؟

في الكتاب المقدّس، يدعونا اللّه إلى أن نكون صانعي سلام وأن نعمل في سبيل جماعة عادلة ومستدامة تستند على تعاليم الربّ، إضافةً إلى تجسيد السلام قولًا وفعلًا مع كلّ الخليقة.

 في هذا السياق، يدعو دليل "موسم الخليقة" لهذه السنة جميع سكّان الأرض إلى التضرّع لله والاستجابة لصرخات المجتمعات الّتي تعاني جرّاء فقدان أراضيها وسُبل عيشها بسبب الحروب أو تغيّر المناخ أو الاستيلاء على الأراضي أو ممارسات غير مستدامة.

ويشير الدليل إلى أنّ الروح القدس يرشدنا إلى توبة إيكولوجيّة وفهم أعمق لعائلتنا الكونيّة. ويؤكّد أنّ السلام مع الخليقة يحتاج إلى خطوات فاعلة خصوصًا عبر التوبة والعدالة التصالحيّة وإعادة تعزيز العلاقات بين الإنسان والأرض، بين الإنسان والمخلوقات الأخرى، وبين الإنسان واللّه.

 

وأمام كلّ ما تقدّم من مبادرات ودعوات وصلوات يبقى سلام اللّه أقدس نعمة تتجلّى من خلال العدالة والتضامن والمصالحة والانسجام مع الخليقة.

لذا، تقع على عاتق الإنسان مسؤوليّة كبيرة جدًّا تجاه الخليقة وكلّ مخلوقات اللّه. مسؤوليّة لا يمكنها أن تُترجم الّا عبر الصبر والفهم والوعي.

Previous
Previous

قداسة البابا لاون الرابع عشر: العناية بالخليقة قضيّة إيمان وإنسانيّة

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يسهم في الحدّ من العنف القائم على النوع الإجتماعي